ما أشبه اليوم بالأمس

ما أشبه اليوم بالأمس

يروي المؤرخ المرحوم سليمان أبو عز الدين قائلا: «يوم الجمعة 19 آب سنة 1932 زُرتُ جرجس بك صفا من دير القمر المقيم في بيروت وهو واسع الاطلاع على تاريخ لبنان، خصوصًا ما اختص منه بعهد الأمير بشير الكبير وعهد المتصرفية الذي أدركه كلَّه، وهو قد ناهز التسعين من العمر ولا يزال قوي الذاكرة صافي الذهن».

ثم يقول: إن جرجس بك، روى له، يومها، الحكاية التالية: «حينما كان ناصيف بك الريس موظفًا في حكومة جبل لبنان وكان له النفوذ الأول عند المتصرف، في أمر التوظيف وغيره، جاء أحد زعماء شمالي لبنان يطلب تعيينه «قائمقام» في البترون وطلب من جرجس بك أن يتوسط له بذلك عند ناصيف بك، فخاطب جرجس بك صديقه ناصيف بك في ذلك فقال له هذا الأخير: إذا كان صاحبك يطلب هذا المنصب فيجب عليه أن يقوم بخدمة عامة نتخذها وسيلة لعرض أمره على المتصرف، وفي الشمال الآن ثلاثةٌ من «الطياح»[2] فدعه يقبض عليهم أو على بعضهم ويقدمهم للحكومة لنوجد سبيلا إلى مكافأته على عمله. فأبلغ جرجس بك صاحبه هذا الكلام، أما هذا فأجاب: إني لو كنت قادرًا على القبض عليهم لما فعلت لأن نفوذي في بلدي يتوقف على ما يلتف حولي من أمثال هؤلاء. بعد هذه الرواية قال لي جرجس إن أعيان بلادنا يستمدون نفوذهم من إقلاق راحة بلادهم لا من خدمتها بإخلاص».

فلو اكتفى «رجال» السياسة في لبنان (لو كانوا رجالا!!؟؟) حاليًا بما كان يفعله أسلافهم فقط لما وصلنا إلى هذه الحال.

 

[1] نشرت هذه الحكاية في جريدة البلد عدد الجمعة 3 آب 2012.

[2] الخارجون على القانون. ومنهم من يسميهم (الطفّار)