«حط في الخرج»

«حط في الخرج»

عن قصة هذا المثل، يقول المرحوم عارف أبو شقرا (المتوَفَّى في 1958) في كتابه “ثلاثة علماء من شيوخ بني معروف” المنشور في العام 1957 في بيروت، ما يلي:

من هذه الأمثال: «حطْ في الخرج» تُستعمل في لبنان (وقد تكون نقلت إلى غير لبنان على ألسنة الذين هجروا ونزحوا) بمعنى: لا تهتم ولا تبالِ. فإذا تشكّى إليك أحدٌ فذَكرَ صعوباتٍ ومعاكساتٍ تؤلمُه، قُلتِ له: «حط في الخرج»، أي هوّن عليك ولا تخف.

    ولد هذا المثل على أرض لبنان منذ نحو خمسمائة عام، فهو عربي موسوم بالسمة اللبنانية. وهو يشير إلى عملٍ من كبار الأعمال لرجل من كبار الرجال. ويجدر بالذين يراهم الناس كبارًا أن يلتفتوا إلى الوراء، إلى وراء خمسمائة عام ليتشبّهوا ويقتدوا، لعلّهم يقومون بأعمالٍ كبيرة، فتنشأ هناك كلمات وعبارات من معدنٍ طيّبٍ تؤرّخ أعمالهم وتبقى مشيرة إلى مآثرهم كما يشير هذا المثل إلى مأثرة صاحبه بعد مرّ السنين والأيام.

ولد الأمير سيف الدين يحيى التنوخي في بلدة «اعبيه» في سنة 789هـ على الأرجح. ونشأ شاعرًا يتغزل ويشبب ويمدح. ثم أناب[1] وتاب توبة صالحة. ويلحظ أن تدينه كان يعتمد على العمل والمعاملة أكثر من اعتماده على الطقوس والتعبدات. كان على جانب من الثراء واليسر، وكان يطوف الأنحاء اللبنانية في ربوع تنوخ ومعن يتنقل من قرية إلى قرية.  ممتطيًا فرسه وتحته خرج قد احتقب فيه أموالًا فكان إذا أتى الفقراء والمعوزين أشار إليهم أن يأخذوا من الخرج حاجتهم، وإذا لقي الأغنياء طلب إليهم أن يضعوا في الخرج ما تيسر لديهم مما يفيض عن حاجتهم، قائلًا: «حط في الخرج» وهكذا دواليك حتى لا يبقى في البلاد محتاج أو معسر.

هذا الخبر سمعته غير مرة من شيوخنا: شيوخ بني معروف، ولحظت أنه متناقل بينهم تناقلًا يثبت صحته ويؤكد تواتره. وأن هذا العمل الجميل في برّ الضعفاء والفقراء، بالأخذ للفقير من الغني ما يزال يرمز إليه بالقول المأثور: «حط في الخرج» منذ عهد الناس بالأمير سيف الدين، وإن كان قد تحوّل عن شيء من دلالته مع الزمن.

ويقولون أيضًا: إنه بعد أن تكرر هذا العمل مرارًا، كان الأمير يطوف الأنحاء ثم يعود إلى “اعبيه” والخرج لم يؤخذ منه شيء فلم ينقص شيئًا. وفي ذلك ما فيه من الدلالة على العيش في كفاية بفضل العمل الجليل الذي دفع إليه جوهر التدين الصحيح والإيمان القويم المكين. فأين من هذا العمل في حينه، ذلك الضمان الجماعي الذي يسمع الناس به اليوم ولا يتحقق لديهم شيء منه؟!

ومن الشيوخ من ينسب هذا العمل إلى الأمير السيد: جمال الدين عبد الله التنوخي.

 

[1] أناب: تاب.