حدُّ الرجم في الإسلام

حدُّ الرجم في الإسلام

لقد طلعت علينا الأخبار في الآونة الأخيرة، بأنّ تنظيم «دولة الإسلام في العراق والشام»، المعروف ب«داعش»، وأمثالَه يطبقون «حدّ القتل بالرجم» بحق نساءٍ اتهموهنّ بالزنى. وعلى رغم قناعتي وتأكدي من خلو القرآن الكريم من أيّةِ آيةٍ تفرض ذاك الحدّ، فقد أعدت البحث في آياته ليطمئنَّ قلبي.

ولكنَّ البحث في الكتب الأخرى، أوصلني إلى أن هذا الحدَّ قد قال به كثيرٌ من فقهاء السنة مستندين إلى آيةٍ زعموا أنها نزلت على النبي ﷺ وأن الله تعالى نسخها تلاوةً وأبقى حُكمها. ومنهم من حدد أنها كانت ضمن سورة الأحزاب. وقد نسبوا ذلك إلى عمر بن الخطاب (رضي الله عنه). ويضيفون أنّه تعالى نسخها تخفيفًا. أما نصّها فقد ورد في كتب الأحاديث التي اطلعت عليها بالصيغ التالية:

«الشيخُ والشيخةُ إذا زنيا فارجموهما البتة نكالًا من الله والله عزيزٌ حكيم».

«إذا زنى «الشيخُ والشيخةُ فارجموهما البتة نكالًا من الله والله عزيزٌ حكيم».

«الشيخُ والشيخةُ فارجموهما البتة بما قضيا من اللذة».

«إنَّ الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة».

وفي لسان العرب لابن منظور: «الشيْخُ: الذي استبانتْ فيه السنُّ وظهر عليه الشيبُ؛ وقيل: هو شَيْخٌ من خمسين إِلى آخره؛ وقيل: هو من إِحدى وخمسين إِلى آخر عمره؛ وقيل: هو من الخمسين إِلى الثمانين… والأُنثى شَيْخَة.»

«والبَتَّةُ: اشتقاقُها من القَطْع، غير أَنه يُستعمل في كل أَمْرٍ يَمضي لا رَجْعَةَ فيه، ولا الْتِواءَ.»

 

هنا أسأل أصحاب السماحة المُفتين والعلماء والمرجعيات الدينية، في الأقطار الإسلامية جمعاء، عمّا يلي:

إذا كانت الصيغ الأربع لهذه «الآية» قد خصَّت فقط، «الشيخ والشيخة»، ألا يعني هذا أن حدّ الرجم لا يطبّقُ على من هم دون الخمسين؟ فلماذا عمّمه أصحاب هذا الرأي؟ فهل هم أعدل من الله عزَّ وجلَّ!؟

ما داموا يقولون بأنّ تلك «الآية» نسخها الله تخفيفًا في العقاب، فلماذا يخالفون هم إرادته؟ فلو أراد إبقاء حُكمها، كما يقولون، فلماذا ينسخها تلاوة؟ وهل يُنكرُ مؤمنٌ أن الله حُرٌّ في أن يفعل ما يشاء في عباده؟ وهو القائل أيضًا: {يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ*} (الرعد 39)؟

هل هناك عقوبةٌ أشدُّ تعذيبًا ووحشيّة من القتل رجمًا؟ وهل يعقل، بالتالي، أن يرضى تعالى بمثل هذا التعذيب، وهو الرحمن الرحيم؟ الذي {كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} (الأنعام 12)، {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ} (الكهف 58)؟ ثم إذا كان الرسول ﷺ، قد أمر بعدم تعذيب الحيوان، الذي أحله الله، عند ذبحه، فهل يُعقلُ أن يرضى بتعذيب إنسانٍ وهو الذي بعثه ربه رحمة للناس؟

ثم، أيُّ الخطيئتين أكبر عند الله، الزنى أم القتل؟ وهو القائل: {مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} (المائدة 32)؟ فالزنى ممكن إصلاحه، فهل من الممكن إحياء المقتول، إذا ثبت فيما بعد أنه بريء؟

هل يقبل أيُّ مؤمنٍ، سواء كان عالمًا أم لا، أن يقال بأنّ الله تعالى يناقضُ نفسه بنفسهِ؟ إذ لو سلّمنا جدلًا أنّه أبقى على حكم تلك «الآية» بالرجم، فما معنى إذًا وجود الآية (2) من سورة النور التي تقول: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ*}؟ ولا ننسى أن هذه الآية جاءت ثانيةً بعد أول آيات سورة النور القائلة: {سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ*}. ألا يؤكد هذا أن الجلد، لا الرجم، هو عقوبة الزنى؟ ونذكّر هنا بأن إثبات واقعة الزنى، حسب القرآن الكريم، أصعب وأعقد من إثبات أيّ واقعة أخرى، وغالبًا ما يكون مستحيلًا.

وما معنى أن يقول تعالى: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا*} (البقرة 106)؟ فأيهما خيرٌ من الآخر، الرجم أم الجلد؟

وإذا كان تعالى قد قال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ*} (الحجر 9)، و{إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ* إِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ* ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ*} (القيامة 17-19)، فكيف يسمح، من يعتبر نفسه مؤمنًا وفقيهًا وعالمًا أو كائنًا ما كان موقعه، أن يضيف على كلامه تعالى، لا أيةً واحدة، بل كلمةً واحدة؟ وهو القائل: {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ} (البقرة 79)؟

ثم ما معنى أن تُروى آية واحدة بعدّة صيغ، كما حصل لكثير من الأحاديث؟ فهل كانوا ينوون نسبتها إلى الرسول ﷺ، ثم بدلوا رأيهم لأنّ حكم الآية لا يُشكُّ به كما يحصل للأحاديث، وبخاصة إذا تعارض الحديث مع نصِّ قرآنيٍّ؟

 

وإذ آمل أن أقرأ جوابًا، على أسئلتي هذه، معلّلًا ومقنعًا ومستندًا إلى نصوص القرآن الكريم وحده من دون غيره، أتمنى أن نعود جميعًا إلى إسلام القرآن وحده، لا إسلام الفقهاء أو المذاهب.

 

[1]  كتبت هذا المقال في 2/11/2014 تعليقًا على عمليات رجم نساء، بتهمة الزنى، قام بها تنظيم «داعش». وقد تناولت هذا الموضوع جزئيا في أحد حواراتي على أثير راديو كندا الدولي.