هل كان مصطفى العقاد حقا سبب احتلال الأميركيين للعراق؟
قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم: {وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ …} (الإسراء 33). وهذا الحق لا يعطى عشوائيًا أو لأيٍ كان، بل يجب أن يثبت بالبيّنة المحقّقة وبالبرهان القاطع أنّ صاحب هذه النفس قد ارتكب جريمة يعاقب عليها بالقتل، وأن يكون من يُصدر هذا الحكم ممن أقامهم أولو الأمر لهذه الغاية.
فيا أبا مُصعب الزرقاوي، ومن ورائه ما يسمى «تنظيم القاعدة» وزعيمه أسامة بن لادن، بالله عليك قلْ لي من أعطاك الحق بالقتل العشوائي في العراق وغيره؟ هل أرسل لك الله سبحانه وتعالى ملاكه، جبريل (عليه السلام)، ليبلغك التكليف بهذا التقتيل؟ وإنّي وجميع المسلمين، على يقين تامِّ بأن الله تعالى لم يرسل جبريل، أو أيٍّ ملائكته (عليهم السلام)، إلى أيٍ من أبناء البشر من بعد نبيّه محمد ﷺ. أليس هذا بصحيح؟
أنت تبعث بمن تسمّيهم زورًا وظلمًا «استشهاديون»، وبالسيارات المفخخة توضع على قارعة الطريق أو أمام المساجد أو أمام مراكز الشرطة في العراق… وعند انفجارها تكون ضحاياها من أشخاص عزّل، كانت جريمة بعضهم أنه كان ذاهبًا لشراء الطعام لأطفاله أو بعض الحاجيات لعياله، وبعضٌ كان واقفًا بين يدي ربّه يصلي، – كان يصلي يا أبا مصعب، نعم كان يصلي يا من يدّعي بأنّه يحمل راية الإسلام – وبعضهم الآخر كان بصدد البحث عن عمل يمكّنه من القيام بمتطلبات معيشة عياله، بالانتساب إلى سلك الشرطة، ولا بد من أنك تعلم جيدًا أنّ أول مهام الشرطة هي حفظ الأمن وحماية أرواح وأموال المواطنين من المجرمين واللصوص. أرجوك أجبني هل تحقّقت بالبيّنة والبرهان القاطعين من أنّ أيًا من هؤلاء كان يحمل السلاح لقتلك ظلمًا وعدوانًا أو لطردك من منزلك، أنت أو أيٍّ ممن معك؟ أم أنّه كان السبب المباشر في احتلال الأميركيّين للعراق؟ ثم هل تعرف، يا أبا مصعب، بأن هؤلاء الذين تقتلهم، عامدًا متعمدًا، كانوا، ليس فقط مواطنين عراقيين بل أيضًا مسلمين مؤمنين، من أمثالك كما تدّعي؟ أوَ لم تقرأ الآية الكريمة التي تقول: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (النساء 93)؟ فإن كنت لم تقرأها «فتلك مصيبة»، وإن كنت قرأتها «فالمصيبة أعظم».
ثم بالله عليك قُلْ لي: هل ثبت لديك، أيضًا، بالبيّنة المحقّقة وبالبرهان القاطع أنّ اولئك الذين كانوا في عمان، – في عمان يا أبا مصعب – يحتفلون بزفاف ولديهم، كانوا وراء احتلال الأميركيين للعراق أم لأفغانستان أم حتى وراء اغتصاب اليهود لفلسطين؟ أم أنّ المخرج السينمائي مصطفى العقّاد وابنته كانا وراء أيٍّ من هذا؟
يا أبا مصعب ويا ابن لادن، عندما أخرج مصطفى العقاد فيلميه السينمائيين (الرسالة وعمر المختار) جعل الملايين من الأجانب يطلعون على مبادئ الإسلام وسماحته وعلى أنّه يوصي بالسلام وعدم الاعتداء… أليس السلام تحية الإسلام؟ أمَّا أنتما وأمثالكما، ومن سار على دربكما ليس في العراق فقط، بل أيضًا في أفغانستان والسعودية واليمن ومصر والجزائر وحتى في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، فكلّما أعلن أحدٌ منكم مسؤوليته عن تفجيرٍ ما، دفع الكثيرين من الناس دفعًا إلى الاقتناع بأن الإسلام والإرهاب متلازمان. وقد يكون أحيانًا، مسلمون من بين هؤلاء الناس. فهل هذا حقًا ما ترومانه؟
تلك الانفجارات التي قُتل فيها أناسٌ أبرياء ممّن كانوا في منازلهم، كما في السعودية وفي الجزائر، أو كانوا يتمتّعون بدفء الشمس وأشعتها في شرم الشيخ، أو كانوا يعملون في مكاتبهم في الولايات المتحدة الأميركية، أو كانوا متوجهين إلى أعمالهم في محطات القطارات في بريطانيا… هل كان أحدٌ من هؤلاء يحمل سلاحًا لقتل أي منكما أو من أتباعكما أو لإخراجكما من دياركما؟
وأولئك الذين تدفعون بهم للقيام بالعمليات الانتحارية، والتي تصفونها، زورًا، في لغتكم: «استشهادية»، كي يفجروا أجسادهم وسط الناس الأبرياء، وتغررون بهم بإقناعهم أنهم ذاهبون فورًا إلى الجنّة، ليتمتعوا بالحور العين؛ ألم تشعروا ولو للحظة واحدة بأنكم، أيضًا تقتلونهم بغير نفس أو بغير حقّ، وهم إخوانكم في الدين؟ أو لم تقرأوا في القرآن الكريم بأن: {… مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا …} (المائدة 32)، و{… َلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُواْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (البقرة 195)؟
أمّا إن كنتم حقًا تبغون الجهاد في سبيل الله فأرجوكم، وقبل البدء بذلك، أن تعودوا إلى القواعد التي سمح بها القرآن الكريم بالجهاد، قتالًا. بل ويكفيكم أن تقرأوا فقط هذه الآية: {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (البقرة 190). وغيرها كثيرةٌ مما تقول بأن الله لا يحب المعتدين. كما أرجو أن تقرأوا أيضًا: {لاَّ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُواْ إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (الممتحنة 8). فإذا لم يفهم بعضكم ماذا تعني هاتان الآيتان، فأنصح له بأن يعود إلى مقاعد الدراسة وفي الصفوف الابتدائية بالتحديد.
ثم ألم تقرأوا وصية عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) إلى قائد جنده، سعد بن أبي وقاص؟ التي قال له فيها:
«أما بعد، فإني آمُرُك، ومن معك من الأجناد، بتقوى الله على كل حال فإنّ تقوى الله أفضل العدّة على العدو وأقوى المكيدة في الحرب. وآمُرُك، ومن معك، أن تكونوا أشد احتراسًا من المعاصي، منكم من عدوكم، فإنّ ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم، وإنما يُنصَر المسلمون بمعصية عدوهم لله. ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوّة، لأنّ عددنا ليس كعددهم ولا عدتنا كعدتهم فإن استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة، وإلا نُنصَرُ عليهم بفضلنا لم نغلبهم بقوتنا. فاعلموا أنّ عليكم في سيركم حفظةً من الله، يعلمون ما تفعلون، فاستحيوا منهم، ولا تعملوا بمعاصي الله وأنتم في سبيل الله، ولا تقولوا إنّ عدوّنا شرٌّ منّا فلن يُسلَّط علينا، فرُبّ قوم سُلِّط عليهم شرٌّ منهم كما سلِّط على بني إسرائيل، لمّا عملوا بمساخط الله، كفارُ المجوس؛ فجاسوا خلال الديار، وكان وعدًا مفعولًا.. اسألوا الله العون على أنفسكم كما تسألونه النصر على عدوكم».
ثم إن الله تعالى يقول: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (الأحزاب 21). فهل عاد أيّ منكم إلى سيرة الرسول ﷺ ليرى إن كان يومًا، في قتال المشركين، قد سمح بقتل أسيرٍ أو طفلٍ أو امرأةٍ أو أعزل أو حتى بعيرٍ أو بقطع شجرة؟ أو أنّه يومًا نعت مسلمًا، ينطق بالشهادتين، بصفة الكفر؟ كما يقول بعضكم عن إخوان لهم مسلمين ولكنّهم على غير مذهبه؟
أمّا إن كنتم تعتقدون بأن التشبُّه بالنبيّ الكريم ﷺ هو فقط في أن «تطلقوا اللحى وتعفوا عن الشوارب» فلله دركم من مسلمين!!؟؟ فلا عجب إذًا في قول الشاعر:
أغاية الدين أن تحفوا شواربكم *** يا أمة ضحكت من جهلها الأمم
[1] كتبت هذا المقال في 24/12/2005، تعليقًا على عملية انتحارية أمر بها أبو مُصعب الزرقاوي، ونفذها زوجان بين محتفلين بعرسٍ، في أحد فنادق عمَّان – الأردن، حيث راح ضحيتها عددٌ من المدعوين، والمخرج السينمائي الشهير مصطفى العقاد وابنته، رحمة الله عليهم أجمعين.