رسالة إلى ابنتي

رسالة إلى ابنتي

بنيّتي الحبيبة،

أنت اليوم تعيشين في بلد يقطنه أناسٌ من مختلف المِلل والنِّحل والعروق والألوان والقوميات، تنطق ألسنتهم بلغات مختلفة متعددة، وتختلف معتقداتهم باختلاف مذاهبهم. ومن باب العلم بالشيء، قد يسألك أحدهم أن تعطيه لمحة عن دين الإسلام. فهل لديك القدرة على ذلك من دون الإطالة التي قد تكون سببًا في نفوره؟

لقد كان الأعرابي، إبَّان الدعوة إلى الدين، يلتقي النبي ﷺ، أو أحد الصحابة، ويستمع إليه مدة زمنية وجيزة قد لا تزيد، أحيانًا، عن الساعة الواحدة، وإذا بهذا الأعرابي ينطلق بعد ذلك في الصحراء، ليس فقط مسلمًا مؤمنًا، بل أيضًا، داعيًا لدين الإسلام.

ولتبسيط الأمر وتقريبه من عقل من يسألك، يمكنك تشبيه الدين بالجمعية أو الحزب السياسي. فكما أنّ لكل حزب مبادئ تكون أساسًا لعقيدة يجب أن يقتنع بها من أراد أن يكون فيما بعد أحد أعضاء هذا الحزب، كذلك لكل دين معتقدات يجب على معتنقه الإيمانُ القاطع بها. وتسمى هذه المعتقدات في الدين: أركان الإيمان، وهي في الإسلام خمسة، ولكنها تشكل كلًا لا يتجزأ، وهي: الإيمان بالله وملائكته ورسله وكتبه واليوم الآخر.

وزيادة في الإيضاح نقول له: إنّ الإيمان بالله، يعني الإيمان بأن الله واحد، خلق كل شيء ووضع سنن الكون، قديم لا أول له، باقٍ لا آخر له، هو وحده يحيي ويميت، قادر لا حدود لقدرته، عالم لا يخفى عن علمه شيء، عادل لا تقاس عدالته بالبشر، يفعل ما يريد ولا حدود للإرادته، هو رب العالمين ومالك كل شيء.

كذلك على المسلم أن يؤمن بأن الله تعالى خلق مخلوقات غير ظاهرة لنا منها ما هو للخير المحض وهم الملائكة، ومنها ما هو للشر المحض وهم الشياطين، ومنها ما هو مختلط للخير وللشرّ وهم الجنّ.

أما الرسل والأنبياء فهم أناس من البشر اختارهم الله تعالى ليبلغوا بني الإنسان الشرع الإلهي. وهؤلاء الرسل أولهم آدم (عليه الصلاة والسلام) وآخرهم محمد ﷺ مرورًا بإبراهيم وموسى وعيسى (عليهم الصلاة والسلام).

أما الكتب فهي التي تضمنت تلك الشرائع التي أنزلها الله على رسله ومنها التوراة والإنجيل وآخرها القرآن الذي هو دستور المسلمين ومرجع قوانين حياتهم.

كما أنّ على المسلم أن يؤمن بأنّ حياتنا على هذه الأرض، هي الحياة الأولى وأنّ بعدها حياة خالدة يحدّد بدايتها الله بيوم القيامة، حين تحاسب كل نفس بما عملت في حياتها الأولى فيكافأ من عمل الصالحات ويدخل الجنة حيث يعيش إلى الأبد حياة هنيئة، ويعاقب من عمل السيئات ويخلد في جهنم.

فإن اقتنع ذلك الشخص بهذه الأسس وآمن بها إيمانًا لا يتجزأ وأراد اعتناق الإسلام، فلا يتوجب عليه، كما الحال في الأحزاب أن يقسم يمين الولاء، إنما عليه فقط أن ينطق بالشهادتين فيقول: «أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسولُ الله.» والله وحده أعلم بإيمانه.

ولكن كما يتوجب على كل عضوٍ في أي حزب، القيام بواجبات يحددها دستور ذلك الحزب، فإنّه يتوجب على المسلم أيضًا واجبات أربع: أن يصلي خمس مرات في اليوم، وأن يصوم شهر رمضان من كل سنة، وأن يدفع الزكاة إلى بيت مال المسلمين، وهي نسبة معينة من الفائض من أمواله، وأن يحج إلى بيت الله في مكة مرة واحدة في حياته إذا كان باستطاعته ذلك.

كذلك على المسلم أن يتجنب السيئات طوال حياته الدنيوية بالامتناع عن القيام بكلّ ما هو من المحرمات أو النواهي. بالإضافة إلى تحلّيه بالصفات الحميدة وباعتماده قواعد سلوك صالحة في تعامله مع الناس، وفي أعماله في هذه الدنيا.

والجدير بالإشارة إليه، هو أن الإسلام وضع أسبابًا تخفيفية في بعض الحالات، حتى ولو كانت من المحرمات.

أما المحرمات والنواهي فهي في أن يمتنع المسلم عن:

أولًا: في المأكل والمشرب:

أكل الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به، والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم، وما ذبح على النصب وما لم يذكر اسم الله عليه، وشرب المُسكرات التي تفقده رزانة العقل ووضوح التفكير.

ثانيًا: في المعتقدات الدينية:

الشرك والكفر والشك بالله وبآياته، وعبادة الأوثان والأنصاب والأزلام، والاستهزاء بآيات الله، والإيمان ببعض آياته والكفر بالبعض الآخر، والافتراء والكذب على الله، وأمن مكر الله، وعبادة الشيطان، وتأويل وتحريف كلام الله، والتكذيب في الدين، والغرور بالله، والمخادعة والنفاق والارتداد عن الإيمان، والصد عن سبيل الله، والجحود والسعي والجدال بآيات الله، وكتم الحق ولبسه بالباطل، واليأس والقنوط من رحمة الله، واتباع الهوى، ومعصية الله ورسوله.

ثالثًا: في أمور الدنيا:

الاختيال والتكبر والاغترار بالحياة الدنيا، وأكل مال اليتيم والآخرين، والإثم والعدوان، واتخاذ الأولياء من الكفار والمشركين، وإكراه البنات على البِغاء، والإسراف والتبذير في كل شيء، واستراق النظر، وإخراج الناس من ديارهم، والإكثار في حلف اليمين، والبخل والتقتير، والحسد والزنى، واللواط، وقول وشهادة الزور، والبهتان والربا والغيبة والنميمة والفتنة والفساد والفسق، والعمل على إشاعة الفحشاء، والمنكر، وتخسير الميزان، والتنابز بالألقاب، وقول السوء، والسرقة والسحر والسحت، والسعي في خراب المساجد، والقهر والنهر، وقطع ما أمر الله به أن يوصل، وقذف المحصنات والآخرين، وقطع الطريق، والقتل، وأن تقول ما ليس لك به علم، والخيانة والميسر، ومنع الخير، والمن والأذى في الصدقات، وشهوة أزواج وأموال الآخرين، والكذب، وكتم ما خلق الله في الأرحام، والذل والاستذلال، والنهي عن الصلاة، ونقض العهود واليمين، والظلم والبغي والطغيان والظن، وأذية الله ورسوله والمؤمنين، والاستماع إلى الكفر، والأمر بالمنكر، والنهي عن المعروف، والتجسس، ومجالسة وطاعة الكفار والمشركين، وأن تقول ما لا تفعل، والقول في المستقبل، واللغو والمراآة، والمكر السيئ، والوسوسة والغلول والغلو، والفواحش ما ظهر منها وما بطن، ودخول البيوت من ظهورها.

أما الصفات التي على المسلم أن يتحلّى بها في أموره الدنيوية فهي: قرن القول بالفعل، وطاعة أولي الأمر، واحترام الوالدين والآخرين، والحلم وكظم الغيظ، والصدق والصبر والعفو والصفح والمغفرة والتواضع وحفظ وأداء الأمانة، والوفاء بالعهد والوعد والكيل والميزان، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والرهبة والخوف من الله، والتقوى والحمد والشكر لله.

أما أعمال المسلم الدنيوية فهي: وصل ما أمر الله به أن يوصل، والشفاعة الحسنة، وأن يجير حتى المشركين، والإحسان والعمل الحسن الصالح، وعمل الخير، والإصلاح بين الناس، ودرء السيئة بالحسنة.

وإلى جانب ذلك وضع الإسلام قواعد سلوك لآداب التحية والمظهر والزينة والحديث والقول والأكل والشرب والزيارة والمجالسة والصُّحبة، تنطلق كلها من مبدأ احترام الآخرين وحقوقهم وحرياتهم وحرماتهم ومراعاة شعورهم وعدم إزعاجهم أو أذيتهم بأي شكل من الأشكال.

وقبل أن أختم رسالتي هذه لا بد لي من أن أضيف بأن القرآن الكريم، إلى جانب ما ذكرتُه آنفًا، فقد وضع أسسًا لقوانين مدنية يمكن اعتمادها في جميع الأزمنة والأمكنة، أخص منها قانون الأحوال الشخصية، أي الزواج والطلاق والإرث والوصية، وقانون العقوبات وغيره…

ومن النصوص المهمّة التي احتواها هذا الكتاب العظيم، تلك التي جعلت للمرأة المسلمة كيانًا واحترامًا وحقوقًا لم تحصل عليها غيرها من النساء سوى منذ حقبة وجيزة من الزمن إذا ما قيست بما يزيد عن أربعة عشر قرنًا، عمر دين الإسلام حتى اليوم.

ولا ننسى أيضًا أن القرآن الكريم وضع الأسس التي قضت تدريجيًا على الرق من دون أن يحدث ذلك أية أزمة اقتصادية أو اجتماعية.

هذه يا بنيتي، لمحة مختصرة عن ديننا الحنيف أضعها بين يديك لعلها تساعدك في الإجابة على أسئلة رفاقك، راجيًا الله تعالى أن يمكننا من أن نكون مسلمين حقيقيين.

ودمت لوالدك المحب.


[1] رسالة كتبتها إلى بناتي في العام 1992 بعد نحو السنة من وصولنا إلى مونتريال – كندا.