هل تستحق صورٌ كاريكاتورية كلّ ما يحصل؟

هل تستحق صورٌ كاريكاتورية كلّ ما يحصل؟

في السابع من هذا الشهر (كانون الثاني – يناير 2015)، قام شابّان بإطلاق النار على صَحفيّيِ مجلة «شارلي إيبدو» في باريس، فقتلا اثني عشر إنسانًا، وهذا مؤسفٌ جدًّا. قيل إنّهما جزائريان مسلمان متطرفان غايتهما الانتقام من تلك المجلة التي أساءت إلى النبيّ ﷺ برسومها الكاريكاتورية. هذه المجلّة التي تدّعي بأنّ حريّة التعبير في فرنسا تعطيها الحقَّ بنشر ما تريد.

الحريّة بكل معانيها مقدسة، ولكن هل في الكون حريّة مطلقة؟ بالتأكيد: لا، فلكلٍّ منها حدودٌ إذا تخطّاها صاحبها أصبح معتديًا. وهذا هو قداسة البابا فرنسيس يقول: «حرية التعبير لا تعني إهانة معتقدات الآخرين».

لست هنا في معرض الدفاع عن ذينك الشابين، فإذا كانت المجلّة قد تخطّت حدود حرية التعبير، فالقلم لا يجوز أن يُحارب بالسيف والقتل، ويبقى القتلُ جريمةً مهما كانت دوافعه، وقد قال تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ} (الأنعام 151)، و{مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} (المائدة 32). وإذا كان هذان الشابّان مسلمين حقًّا فقد ارتكبا بفعلتهما هذه، ليس فقط جريمة قتل 12 نفسًا، بل ارتكبا ايضًا ذنبًا من كبائر الذنوب، إذْ تسببا بأذية الله تعالى ورسوله ﷺ ومليار وخمسمائة ألف مسلمٍ، وهذا ممّا ينهى عنه القرآن الكريم، وإذا كانا يعتقدان أنهما بما فعلا يبتغيان رضوان الله، فقد قال تعالى في ذلك: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا* وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} (الأحزاب 57-58).

فيا إخواني المسلمين إنَّ ما فعله هذان، ويفعله أمثالهما، من المتشدقين بأنّهم حماةُ الإسلام والرسول ﷺ، فالإسلام ونبيّه ليسا بحاجة لهم لأنَّ لهما ربًّا يحميهما. ولا تنتجُ أعمالُهم سوى تشويه صورة الإسلام من دين السماحة الى دين الإرهاب، وصورة النبيّ محمد ﷺ من نبيِّ الرحمة الى آمر بالتقتيل، وصورة المسلمين جميعًا من مؤمنين الى مجرمين، فهل منكم من يرضى بهذا؟

أمّا ما يقوم به بعض الموتورين من أصحاب الغايات والأهواء، فليس علينا حسابُهم. والعاقل لا يهتمُّ لما يقوله أو يفعله السفهاء. فعودوا دومًا إلى قوله تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} (النساء 140).

ولا تكونوا أنتم عونًا لأعداء الإسلام بمساعدتهم في نشر تفاهاتهم وتجنّيهم عليكم وعلى دينكم وعلى نبيّكم ﷺ. وهذه وصية عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، في مثل هذا إذ قال: «أميتوا الباطلَ بالسكوتِ عنه ولا تثرثروا فيه فينتبه الشامتون».

ثم يا إخواني هل وصل اليكم شيءٌ من تلك القصائد التي كان كفَّار قريش يذمُّون أو يهاجون بها النبيَّ ﷺ وأصحابه؟ لقد أهملها المسلمون ولم يعيروها أي اهتمام حتّى اندثرت، فتشبهوا أنتم بهم.

 

[1] كتبت هذا المقال في 18/1/2015 تعليقا على ردات الفعل التي تحصل كلما نشر أحدهم صورًا كاريكاتورية عن النبي ﷺ، وكان آخرها حادثة مجلة شارلي إيبدو في 7/1/2015.