خمسون عامًا معًا على دروب الحياة
كنّا غريبَين، لا يعلم أحدُنا بوجود الآخر على أديم هذه الأرض. فتلاقينا من دون أن نعرفَ لماذا. وتعارفنا وتوافقنا، ثم ربطت بيننا رابطة الزواج، وجمعتنا تحت سقفٍ واحد، في مثل هذا اليوم الرابع والعشرين من تشرين الأول منذ خمسين عامًا. فأصبحتْ هي أقربَ إليَّ من أمّي وأختي، وغدوتُ أنا أقربَ إليها من أبيها وأخيها.
ومذْ ذاك اليوم، ونحن نسير معًا على دروب هذه الحياة بحلوها ومرّها. رزقنا الله ثلاثَ زهراتٍ ملأنَ حياتنا ببراءة الطفولة صغيراتٍ، وبحنان البنت يافعاتٍ وناضجاتٍ. وهنّ اليوم عونٌ لنا في شيخوختنا. ولا أنسى ذينك الحفيدين اللذين استرجعنا مع كلٌّ منهما لذّة التمتّع ببراءة طفولةٍ، لم ننسَ يومًا طعمها. وكم يسعدُ الإنسان، ويتلذّذ، بحلاوةٍ تذوقها يومًا، ثم عادتْ إليه ثانيةً مكافأةً على يدٍ، سهر الليالي وعارك الأيّام ليراها قادرة على أن تكون أقوى من يدِه.
ولكنَّ رحلة العيش ليست نزهةً، بل هي صراعٌ دائم. وكي يتمكّن الإنسان من الحصول على ما يقيه شظف العيش، عليه أن يكون أقوى من أن تتفوّق عليه صعابُ ذلك الصراع. وإن كان وحيدًا فلن يكون له هدفٌ يسعى إليه. ومن لم يكن له هدفٌ فسيبقى كمن يراوح بين رجليه. وتنشئة العائلة أسمى الأهداف. فهي نواة المجتمع. مصيره مرتبطٌ بمصيرها، فإن صلَحت صلح. وإن تفككت فسد وانهار.
وعلى الرغم من هجراتنا القسرية، وما نزل بلبناننا من أزمات ومصائب، جرّاء ما حدث فيه إبّان مسيرتنا هذه، فقد كانت «ناديا»، رفيقةُ دربي، عمادَ الأسرة الصلب الصبور. فبالصبر والمحبة والتعاضد والإرادة الصادقة تمكنّا، ويدانا متماسكتان، من اجتياز ما واجهنا من العقبات، ومن التغلبِ على المصاعبِ.
فالشكر والحمد لك يا إلهنا على ما أسبغته علينا من النِّعم. فلمّا أضعفت الأيامُ جسدينا عوضتنا بقوة الإرادة. ولمّا ضعف بصرنا، منحتنا قوة البصيرة. ولمّا ضعفَ سمعنا، أبقيتَ صوت الإيمان مالئٍا قلبينا. فلا تحرمنا من نعمة العقل، واحفظْ لجسدينا قوة الوقوف والسير من دون الحاجة إلى من أو ما يُعينُنا، حتّى آخر يومٍ في رحلتنا هذه، التي لا ندري متى ستنتهي، فنغادر إلى الدار الآخرة، لنلحق بمن سبقونا، ونفسح المجال لمن سيأتي بعدنا، وتستمرّ الحياة. فهذا ليس بأيدينا، بل أنت وحدَك يا ربُّ من يقرّره.
[1] كتبتها في 24/10/2020، بمناسبة مرور خمسين عامًا على زواجي.