تعدد الزوجات

تعدد الزوجات

إنّ الشائع لدى الغالبية العظمى من الرجال أنّ دين الإسلام يبيح لهم تعدد الزوجات، ومن دون قيد أو شرط سوى العدل بينهن في الأمور المادية، مستندين إلى ما جاء في الآية (3) من سورة النساء، والتي تقول: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا﴾.

إن نصوص آيات القرآن الكريم ليست نصوصًا شعرية أو أدبية، وكل كلمةٍ أو حرفٍ فيها له مدلوله الخاص، ولم يدرج عبثًا. فعلينا بداية معرفة معاني الكلمات المحورية في هذه الآية.

 

ففي معجم (لسان العرب لابن منظور):

  • «يتامى، جمع يتيم، واليَتيمُ الذي مات أَبوه فهو يَتيمٌ حتى يبلغَ، فإِذا بلغ زال عنه اسمُ اليُتْم، والأُنثى يتيمة، والجمع أَيتامٌ ويَتامى ويَتَمةٌ. والعَجِيُّ الذي تموت أُمه، واللَّطيم الذي يموتُ أَبَواه».
  • «الإِقْساطُ: العَدل في القسْمة والحُكم؛ يقال:

         «أَقْسَطْتُ بينهم وأَقسطّتُ إِليهم.».

  • «العَدْلما قام في النفوس أَنه مُسْتقيم، وهو ضِدُّ الجَوْر. عَدَل الحاكِمُ في الحكم يَعْدِلُ عَدْلاًوهو عادِلٌ من قوم عُدُولٍ وعَدْلٍ؛ وعَدَل عليه في القضيَّة، فهو عادِلٌ، وبَسَطَ الوالي عَدْلَه ومَعْدِلَته.»
  • «الطيّب خلاف الخبيث. وما طاب لكم، أي ما يحلُّ لكم.»
  • «العَوْل: المَيْل في الحُكْم إِلى الجَوْر. عالَ يَعُولُ عَوْلاً: جار ومالَ عن الحق. وفي التنزيل العزيز: ذلك أَدْنَى أَن لا تَعُولوا.» أي أقرب ألّا تجوروا.

 

وفي القرآن الكريم، (من قاعدة أنّ القرآن يفسِّرُ بعضُه بعضًا):

  • ﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا﴾. (النساء 6).
  • ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى. (الأنعام 152)
  • ﴿وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ﴾. (هود 85)
  • ﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ﴾. (الإسراء 35). والقسطاس: أَعدل الموازين واَقومُها[1].
  • ﴿وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ﴾. (النساء 58).
  • ﴿فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾. (الحجرات 9)
  • ﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ﴾. (الأعراف 157).
  • {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾. (النور 26).

 

وفي الأحاديث المنسوبة إلى الرسول الكريم، ﷺ:

  • «إذا استرحموا رحموا وإذا حكموا عدلوا وإذا قسموا أقسطوا» (مسند الإمام أحمد – 19173).
  • «مَا دَامُوا إِذَا اسْتُرْحِمُوا رَحِمُوا، وَإِذَا مَا حَكَمُوا عَدَلُوا، وَإِذَا مَا قَسَمُوا أَقْسَطُوا». (مصنف ابن أبي شيبة – 33508).

وبالعودة إلى الآية المذكورة (النساء 3)، فلم يكن عبثًا أن تبدأ بجملة: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى﴾ ثم يأتي بعدها قوله: ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ﴾ ثم تقول: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً…. ﴾؛ فحرف «الفاء» في ﴿فَانْكِحُوا﴾ وفي ﴿فَوَاحِدَةً﴾، هو ما يسمى «الفاء الرابطة للشرط» أي يأتي بعدها جواب الشرط الذي هو هنا، في الجملة الأولى: وجوب الإقساط في اليتامى، وفي الثانية، وجوب العدل بين الزوجات.

أما إن عدنا إلى سورة النساء، وبالتحديد إلى الآية التي تسبق مباشرة، الآية المذكورة أعلاه، فسنجد أنها تتكلم أيضًا عن أموال اليتامى: إذ تقول: ﴿وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا﴾ (النساء 2)؛ لتكمل بعدها الآية المذكورة، بكلام معطوف على ما قبله، فتقول: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا﴾ (3).

فمما تقدم أرى أن الحق في تعدد الزوجات أعطي للرجل الذي يتولى رعاية يتامى وأموالهم، بأن يتزوج أمهم، مع التقيد بشرط العدل بينهن. أما في قوله: ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾، فلا يجوز فهم معنى (طاب لكم) أنه عائد لمزاج الرجل ورغبته؛ بل المقصود، ما يحلُّ له زواجُها، كما سبق وبينت.

وهذا أراه بابًا يجوز، لأولي الأمر فتحه عندما ينقص عدد الرجال، وبخاصةٍ بسبب الحروب.

وهناك، من المفسرين وغيرهم، من يقول بأنّ اليتامى المعنيين في الآية (النساء 3)، موضوع كلامنا، هنّ من النساء اليتامى، مستندين إلى ما جاء عن عروة بن الزُّبير أنه «سألَ عائشةَ عن قولِ الله تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ ألا تُقْسِطُوا فِي ٱلْيَتَـٰمَىٰ﴾ فقالتْ: يا ابن أُختي، هذه اليتيمة تكون في حَجر وليِّها تشركهُ في مالِهِ ويُعجبه مالها وجَمالها، فيريدُ وليُّها أن يتزوجَها بغير أن يٌقسطَ في صَداقِها فيُعطِيَها مثلَ ما يُعطيها غيرُه، فنُهوا عن أن يَنكحِوهنَّ إلاّ أن يُقسِطوا لهنَّ ويبلغوا لهنَّ أعلى سُنَّتهنَّ في الصَّداق، فأُمِروا أن يَنكِحوا ما طاب لهم من النساء سِواهنّ.» (4456 صحيح البخاري، وغيره من الأحاديث).

فلو كان الأمر كذلك لأوضحته الآية، كما جاء في قوله تعالى: ﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا﴾. (النساء 127).

ثم إذا ما نحينا جانبًا أنّ هذا السماح هو لزواج أمهات اليتامى، فإني أقول: في الظاهر الآية (النساء 3) المذكورة آنفًا، تسمح بتعدد الزوجات، ولكنها تشترط لذلك أن يعدل الزوج بين زوجاته، عندما تقول: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً﴾. ولا ضير في أن نكرر أنّ حرف «الفاء» في كلمة (فواحدة) هو ما يسمى «الفاء الرابطة للشرط» أي يأتي بعدها جواب الشرط، الذي هو هنا وجوب العدل بين الزوجات. ويقول محمد علي الصابوني، في كتابه «صفوة التفاسير»، في تفسيره لقوله تعالى ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً﴾ يقول: «أي إن خفتم من عدم العدل بين الزوجات فالزموا الاقتصار على واحدة». وبالتالي يصبح الاكتفاء بواحدة واجبًا في حال عدم التمكن من العدل المشترط. ويؤكد هذا الشرط ما انتهت إليه الآية عينها إذ تقول: ﴿ذلك أدنى ألا تعولوا﴾ بمعنى: «أن الاقتصار على واحدة أقرب ألا تميلوا وتجوروا.»[2]

ثم تأتي الآية (129) من سورة النساء عينها، لتعطينا الجواب الفصل في أنّ العدل بين النساء غير ممكن، لأنّه يقتضي أن يكون ليس فقط في الأمور المادية، بل أيضًا في المحبة والمودة، إذ تقول:

﴿وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ…﴾. وفي اللغة: «الـمَيْل: العُدول إِلـى الشيء والإِقبالُ علـيه،»[3]. أما المفسرون، فيقول منهم ابن كثير: «﴿فَلا تَمِيلُوا كُلَّ ٱلْمَيْلِ﴾ أي فإذا ملتم إلى واحدة منهن فلا تبالغوا في الميل بالكلية ﴿فَتَذَرُوهَا كَٱلْمُعَلَّقَةِ﴾ أي فتبقى الأخرى معلقة.» ويقول البيضاوي: «﴿كَٱلْمُعَلَّقَةِ﴾ التي ليست ذات بعل ولا مطلقة. وعن النبي ﷺ «من كانت له امرأتان يميل مع إحداهما جاء يوم القيامة وأحد شقيه مائل». ولا يمكن أن يكون هذا الميل إلا نتيجة التفريق في المحبة. والمثل العامي يعبّر عن ذلك أصدق تعبير عندما يقول: «الرِجِل بِتْدِب مطرح ما القلب بِحِب»[4].

ثم تقول الآية (4) من سورة الأحزاب: ﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ﴾. وفي تفسيره لهذه الآية يقول البيضاوي: «أي ما جمع قلبين في جوف لأن القلب معدن الروح الحيواني المتعلق بالنفس الإِنساني أولًا ومنبع القوى بأسرها.»

وفي تاج العروس[5]: «(القَلْبُ: الفُؤادُ)؛ أَو مُضْغَةٌ من الفُؤادِ مُعَلَّقَةٌ بالنِّيَاطِ… (أَوْ) أَنَّ القَلْبَ (أَخصُّ منه)، أَي: من الفُؤَادِ في الاستعمالِ، لأَنّه معنًى من المعاني يَتعلَّق به. ويَشهَدُ له حديثُ: «أَتَاكُم أَهْلُ اليَمَنِ، هُمْ أَرَقُّ قُلُوبًا، وأَلْيَنُ أَفْئِدَةً»، ووصَفَ القُلُوبَ بالرِّقَّةِ، والأَفئدَةَ باللِّينِ، لأَنَّهُ أَخصُّ من الفُؤادِ، ولذلك قالوا: أَصَبْتُ حَبَّةَ قَلْبِهِ، وسُوَيْدَاءَ قَلْبِه.»

وفي قوله: ﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ…﴾، ليس المقصود عضويًا كما في «كليتين» أو «رئتين»…، إنما قاله مجازًا وكنايةً عما يكنّه القلب من المحبة، كما في قولنا: «رعاية البيت» والمقصود «رعاية من في البيت» لا المبنى. وقد كانت العرب تعتقد أن القلب مركز الحبّ. كما في قول امرئ القيس في معلقته:

أغَرّكِ منّي أنّ حُبّكِ قاتِلي *** وَأنّكِ مهما تأْمُري القلبَ يَفْعلِ؟

ولا ننسى أن القرآن الكريم أنزل بلغة العرب، ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا…﴾ (يوسف 2)، وحسب مفهومهم لكلماتها، وما كانت ترمز إليه في حينه، لا كما تحور أو تبدل في عصرنا الحالي.

وهنا يطرح السؤال نفسه: هل يستطيع إنسانٌ ما أن يحبّ شخصين معًا بالقدر نفسه، حتى ولو كانا ولديه؟ كما نذكِّر بما جاء في الآية (119) من سورة آل عمران وكررته آيات عديدة غيرها: ﴿…إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾، وفي اقتناعي أنّ قوله: ﴿وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ…﴾ هو لعلمه بما يكنّه الإنسان، سواء من عواطف أم حتى مما في عقله الباطن، ﴿أَوَلاَ يعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ (البقرة 77).

وأضيف، بما أنّ الأسرة وحدة المجتمع وأساسه، فيكون، بالتالي، أول واجبات الأبوين هو تهيئة البيئة الجيدة لتنشئة أطفال صالحين، وعدم تعدد الزوجات يساهم مساهمة فعَّالة في تربيتهم تربية صالحة. فإن تمكن أبٌ أن يعدل في تأمين منزلٍ خاصٍّ لكلٍّ من زوجاته، فأنّى يكون له أن يرعى أولاده في أربعة منازل منفصلة عن بعضها بعضًا، وقد لا يرى واحدَهم إلا مرة كل أربعة أيام، ولفترة وجيزة، قد لا تبلغ ساعة واحدة؟

ثم أين تصبح تلكما المودة والرحمة التي قالت عنهما الآية (21) من سورة الروم: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾. وكيف يكون السكن إلى أربعة؟! ولماذا قال: ﴿…لآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾؟ فبماذا نتفكّر؟ ولا ننسى، أنّ كلمة (آية)، إذا نسبت إلى نبيٍّ فتعني (معجزة) أما إذا نسبت إلى الله تعالى، فتعني (علامة على قدرته، عزّ وجلّ).

فالسكن من السكينة، وهذه لا تعني فقط عدم الحركة، بل من معانيها أيضًا: الرحمة والوداعة والطمأنينة والأمن والوقار، ولا يكون هذا كله إلا من الاستقرار، وأين يكون الاستقرار لمن يعيش بين أربعة منازل؟ كلّ يومٍ في منزل؟

ولا بدّ لي، في الختام، من الإشارة إلى أنني أفهم من قوله تعالى في الآية السابقة: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا﴾، أن الخطاب موجهٌ إلى الرجال والنساء على حدٍّ سواء، فكلمة «زوج» في العربية تطلق على الذكر والأنثى. ولو كان المقصود ب«الأزواج» النساء فقط لقال: «لتسكنوا إليهنَّ»، لا «إليها»، كما جاء في الآية، فبالتالي يكون السكن متبادلًا، أي أن يسكن الرجل إلى المرأة وتسكن المرأة إلى الرجل. أما تفسيرهم لقوله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا﴾، بأن المرأة خلقت من ضلع الرجل، فلا أراه منطقيًّا، إن لم أقل: لا يقبله العقل. إذ ما أفهمه، أن المقصود، هو أنه تعالى قد خلق «الأزواج» من «النوع نفسه» إي أن الرجل والمرأة هما من نوع واحد، وكلاهما «إنسان». ولو عدنا إلى الآية التي تسبق الآية (الروم 20)، لقرأنا فيها أنّ الله خلق البشر جميعًا من التراب: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ﴾. ثم نسأل: ألا يُخْلق الرجل من رحم المرأة؟ وأليست هي التي تحمل وتلِد؟

كما يعزز رأيي في أنّ المقصود، هو أنَّ المرأة والرجل خُلقا من النوع نفسه، ما جاء في الآيات التاليات:

﴿مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ (لقمان 28)،

﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا﴾ (فاطر 11)،

﴿وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا﴾ (الزخرف 12)،

﴿وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى﴾ (النجم 45).

أضف إلى ذلك أيضًا، قوله تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾، (التوبة 128).

وقد يحتج بعضهم بالسيرة النبوية بقولهم إنّ النبي ﷺ، قد توفاه الله عن تسع نساء. فعلى هذا أقول:

أولا: لقد كان ذلك استثناء له من الله تعالى، من قوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آَتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾. (الأحزاب 50).

ثانيًا: من المعلوم أنه لم يتزوج بكرا سوى عائشة (رضي الله عنها)، ما يدل على أنّ زيجاته لم تكن لإرضاء رغباتٍ جنسية. ولكن كان لكل زيجة سبب، إما سياسي، أو إنساني، كالتي استُشهِد أو مات عنها زوجها، أو لرفع الحرج عن المؤمنين في الزواج من المحصنات من أهل الكتاب، أو من مطلقات الأدعياء.


[1] لسان العرب.

[2] راجع صفوة التفاسير للشيخ محمد علي الصابوني – الطبعة الأولى 1997 دار الصابوني.

[3]  لسان العرب.

[4] أي: إن الإنسان يرغب في الذهاب إلى المكان الذي يحب من فيه.

[5] للزبيدي.