السِّياسي والقاق[1]
يُروى أنَّ أحدَ رجالِ السّياسةِ اللبنانيّين، رأى يومًا أنَّ الوقتَ قد حانَ للبدءِ بتحضيرِ ابنهِ البِكرِ ليُصبحَ قادرًا على تولِّي مهامِّ المركزِ والكرسيّ الذي يتربعُ عليه منذ سنينَ عديدة. فمن المتعارف عليه في لبنان أنَّ الزّعامةَ أو المنصبَ السياسيَّ، هما من الأملاكِ القابلةِ للتَّوريثِ، تمامًا كالأعمال التّجارية أو الصّناعية.
ولمّا كانت أعمالُهُ لا توفّرُ لهُ الوقتَ الكافيَ لذلكَ، فقد عهِدَ، السياسيُّ، بتلك المهمّةِ إلى صديقٍ لهُ، ممّن عركتْهمُ الأيّام، وكان قد رافقَهُ في مسيرتِه في العمل السّياسيِّ منذ بِدايتِها، ولم يزلْ.
وبعد ما يزيدُ عن السَّنةِ، سألَ السّياسيُّ صديقَه عمّا وصلَ إليه في تدريبِ ابنِهِ، ذلكَ الوارثُ المُفترضُ، فأجابه قائلًا: «قاق ابن قاق».
فقال السياسيّ متعجبًا: وما شأنُ القاقِ في ذلك؟
فأجابه الصّديقُ: في الموروثِ الشّعبِيِّ، يا صديقي، إنَّ القاقَ طائرٌ ذكيٌّ حذِرٌ جدًّا من بني البشر، كما أنَّه لا يتوانى عن السَّطْوِ على أيّ شيءٍ يُصادِفُهُ أمامَهُ. ومن الشواهدِ الشعبيَّةِ على هذا أنَّ أحدَهم سألَهُ مرَّةً قائلًا: يا قاقُ لماذا أكلتَ الصابونةَ؟ فأجابه القاقُ: «الرَّذالَةُ صنعةٌ». أمّا عن وصفِي ابنِكَ بأنه «قاقُ ابنُ قاقٍ»، ففي الرِّواياتِ الشعبيّةِ أيضًا أن قاقًا قال لابنِه يومًا: يا بُنيَّ، لقد بلغتَ السّنَّ الطبيعيَّة التي تفرضُ عليكَ أن تستقِلَّ بشؤوِنكَ بنفسِكَ، وكأبٍ عليَّ أن أنصحَ لك بالحذرِ الدّائمِ من بني الإنسانِ، فإذا رأيتَ أحدَهم يحرِّكُ جسدَهُ نزولًا إلى ما يشبِهُ القُرفُصاءِ فلا تتأخرْ ثانيةً واحدةً عن الطّيرانِ هُرُوبًا من مكيدتِه، لأنّه يكون في نِيّتِه من ذلك التحرُّكِ، أن يلتقطَ حصاةً ليرميَكَ بها ليقتُلَكَ. ولكنَّ القاقِ الصغيرِ بادرَ أباهُ قائلًا: ألا يُعقَلُ يا أبي أنْ يكونَ قد خبَّأَ تلكَ الحصاةَ في جَيبِهِ؟ عندئذٍ قال له أبوه: اذهبْ في سبيلك يا بني فلا خوفَ عليكَ، فأنت حقًّا قاقُ ابنُ قاق.
[1] من روايات الآباء. والقاق، طائرٌ من فصيلة الغُرابيات رمادي اللون أسود الرأس والجناحين والذنب. وقد تسمّيه العامّة: «القعق» نسبة إلى صوته.