هل نعرف نحن حقًّا عدوّنا؟[1]
معرفة العدوِّ أهمّ الأسس لوضع الخطط الصائبة والكفيلة في التغلب عليه، سواء في الحرب المستعرة أم المحتملة، أم حتى لاتقاء شرّه. وهذا لا يكون فقط في معرفة عديده وعدته وأنواع وكميات ما يملك من أسلحة وعتاد. بل يتوجّب أن نعرف دقائق أهدافه وتفكيره وطباعه، ما لا يمكن الوصول إليه إن لم نعرف حقيقة ما يؤمن به من معقدات دينية وقومية واجتماعية وتعاليمها، بالإضافة إلى ما يتمسك به من عادات وتقاليد موروثة أو مكتسبة، ومن دون أن ننسى أيضًا تاريخه وتراثه. وأول ما يتوجب للوصول إلى هذه الغاية، هو تعلم لغته وإتقانُها بكلّ دقائقها وتفاصيلها للتمكن من الفهم السليم والدقيق لكل ما سبق وذكرناه.
بالتأكيد هذا ليس مطلوبًا من المواطنين جميعا، بل هو واجبٌ على أجهزةٍ ومؤسساتٍ رسميةٍ تُنشِئها الدولة خصّيصا لهذه الغاية.
وإذا كان في البلاد العربية بعض مؤسساتٍ تعلِّم اللغة العبرية، كجامعة الملك سعود مثلًا، فهذا غير كافٍ. فلو كلَّفَ أيٌّ من حكّامها أحد مستشاريه، وهم كثرٌ والحمد لله، أن يُجريَ بحثًا بسيطًا في مواقع «غوغل» لتبيَّن له أن العدوَّ الإسرائيليِّ قد مضى، ومنذ زمنٍ بعيد، إلى أبعدَ من ذلك بكثير.
وأكتفي هنا بعرض مقتطفات موجزة من بحثٍ لفوزي البدوي بعنوان: «بعض ملامح الدّراسات العربيّة والإسلاميّة في الجامعات الإسرائيليّة»، على موقع «الأوان» الإلكتروني[2]:
1 – جامعة بار ايلان:
يدور البحث في الإسلام الوسيط في هذه الجامعة في قسمين: الأول هو قسم دراسات الشرق الأوسط في العالم الإيراني، والإسلام الوسيط، وصلته باليهودية، والفقه السنّي الوسيط؛ وفي الدراسات التاريخية والاجتماعية والسياسية في الإسلام الوسيط. والقسم الثاني هو قسم اللغة والآداب العربيّة الذي يعتبره بعضهم أنّه أفضل قسم للغة العربيّة في العالم، من جهة محتوى الدراسة وقيمة الأساتذة الباحثين وتميزه بتخصصات لا تعرفها جامعات أخرى مثل التراث «العبربي»[3] والدراسات القرآنية ومذهبي الحنابلة والأشاعرة والشعر القديم، والتاريخ الاقتصادي والاجتماعي للعالم الإسلامي الوسيط والتاريخ العسكري للشرق الأوسط.
2 – جامعة حيفا:
وفيها أربعة أقسام تقدّم دروسًا ذات صلة بتاريخ الإسلام الوسيط. أهمّها: قسم اللغة والآداب العربيّة. وقسم تاريخ الشرق الأوسط، ويهتم بالتاريخ السياسي والاقتصادي والديموغرافي للعالم الإسلامي.
3 – الجامعة العبريّة في القدس:
تعتبر هذه الجامعة من أقدم المؤسسات اليهوديّة ثم «الإسرائيلية» التي اهتمت بإنشاء مدرسة للدراسات الشرقية منذ سنة 1926 أسستها جماعات من المستشرقين اليهود الألمان الذين استوطنوا فلسطين. وقد اشتهرت هذه الجامعة بنشر مخطوطات عربيّة، منها بعض أجزاء أنساب الاشراف للبلاذري.
وكان أشدَّ المتحمّسين لقيامها عالمُ الفيزياء اليهودي الشهير ألبير أينشتاين الذي وهبها بعد موته كل تراثه العلمي ومخطوطاته وكتبه في مكتبة تحمل اسمه، والفيلسوف اليهودي الالماني مارتن بوبر وعالم النفس اليهودي الشهير سيغموند فرويد. وقد وضع حجر الاساس لبنائها في العام 1918 وفتحت ابوابها في غرّة نيسان عام 1925 على جبل المكبر.
وفيها كلية تحتوي على عدة مراكز بحث من بينها «مركز الدراسات الآسيوية والإفريقية» الذي تتفرع عنه أربعة أقسام هي: قسم اللغة والآداب العربيّة، وقسم دراسات شرق آسيا، وقسم الدراسات الأرمنية والهندية، وقسم الدراسات الإسلاميّة والشرق أوسطية. وترتبط بهذه الأقسام وحدات بحث من بينها خمسٌ ذات صلة بالدراسات العربيّة والإسلامية. هي: وحدة «مشروع اللهجات العربيّة»، و«مشروع المعجم العربي العبري»، و«مشروع معجم الشعر العربي القديم» ووقفية ماكس شلوسنجر (Max Schloessinger Memorial Fund) اللاهوتي واللغوي اليهودي الألماني المولد الامريكي المقام (1877- 1944) الذي يرجع إليه شخصيا نشر شرح ابن كيسان على معلقة عمرو بن كلثوم ورحلة الداد هاداني.
ومما نشرته هذه الوقفية من النصوص العربيّة نذكر: «جوامع أدب الصوفية وعيوب النفس ومداواتها» و«فضائل بيت المقدس» لأبي بكر بن أحمد الواسطي، وكتاب «أدب المريدين «لابي النجيب السهروردي، كما نشر كتاب «الأحاديث الحسان في فضل الطيلسان» لجلال الدين السيوطي.
كما نشرت هذه الوقفية نصوصا مختارة من الادب «العبربي» اختارها وعلّق عليها عميد الدراسات العبربية البروفيسور يهوشواع بلاو وصدرت سنة 1980، بعنوان «المختار من النصوص باللغة العربيّة اليهوديّة אלמכתאר מן אלנצוץ באללגה אלערביה אליהודיה ثم نشرت «إيلاّ ألماغور» كتاب «ذمّ الدنيا» لابن أبي الدنيا سنة 1984 وعلّقت عليه …
بالإضافة إلى سلسلة بعنوان «أشتات في اللغة العربيّة والإسلام» افتتحتها بإصدار كتاب أرييه ليفين بعنوان «اللّسانيات العربيّة من خلال علم اللهجات» ثم تلتها «دراسات في الرواية الإسلاميّة المبكرة» بأشراف الباحث الفلسطيني سليمان بشير. أمّا في مجال الآداب واللغة فقد كان لهذه الوقفية دور مهمّ أيضا بنشرها معجم مفهرس لستّة من الشعراء الجاهليين بإشراف البير أرازي وسلمان مصالحة ونشر بالعربية تحت عنوان: «العقد الثمين في دواوين الشعراء الستة الجاهليين…
4 – جامعة تل أبيب:
تحتوي هذه الجامعة على كليات عديدة تقدم دروسا حول العالم الإسلامي الوسيط من بينها قسم تاريخ الشرق الأوسط وافريقيا، وهو قسم يهتم خصوصا بالتاريخ الحديث والمعاصر… وبالثقافة «العبربية Judeo- Arabic الوسيطة»، والتاريخ السياسي للشرق الأوسط. كما يوجد فيها قسم للغة العربيّة والدراسات الإسلاميّة، يقدم دروسا في الإسلام المبكر، وتاريخ الاندلس والأدب العربي القديم وعلم الكلام في الوسط الشيعي الوسيط… (انتهت المقتطفات من بحث فوزي البدوي).
هذه المعلومات تقودنا إلى طرح الأسئلة التالية، على السادة حكّام وقادة البلاد العربية:
هل تكبد العدو الإسرائيلي نفقات تأسيس وتشغيل هذه المؤسسات الجامعية حبًّا بالعرب والإسلام؟ أم لماذا؟
أين هذا العدد غير المعروف ممن تخرجوا في هذه المؤسسات؟ وأين وماذا عملوا ويعملون؟
ألا يعقل أن يكونوا قد زُرعوا في البلاد العربية خدمة لمصالح إسرائيل؟ ولم ننسَ بعدُ الجاسوس «كوهين» الذي أعدم في سورية في ستينيّات القرن الماضي بعد أن وثّقَ علاقاته مع أعلى المسؤولين السوريين منتحلا شخصية مغتربٍ سوريٍّ عائدٍ من الأرجنتين يحمل اسم «كامل أمين».
وألا يعقل أن يكون بعض أولئك الذين نصّبوا أنفسهم حماة الإسلام والمسلمين، وشكّلوا جماعاتٍ من المغرّرين للقيام بأبشع وأفظع الجرائم باسم الدين، أمثال أبي بكر البغدادي، وأبي مصعب الزرقاوي وغيرهما؟
[1] نشرت هذه المقالة على موقع «المنبّه» الإلكتروني بتاريخ 20/10/2020.
[2] https://www.alawan.org/2017/12/21/%d8%a8%d8%b9%d8%b6-%d9%85%d9%84%d8%a7%d9%85%d8%ad-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%91%d8%b1%d8%a7%d8%b3%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d9%91%d8%a9-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%84%d8%a7/
[3] العبري – العربي.