أمير البُزُق

أمير البُزُق

في الربع الثاني من القرن العشرين، كان أحمد عبد الكريم، وهو من غجريِّي سوريا، من أبرز العازفين على «البزق»؛ حتّى لُقِّبَ بأمير البزق. والبزق، لمن لا يعرفه، آلة موسيقيّة وتريّة خشبيّة تشبه العود ولكنّها ذات عنقٍ طويل وجسمٍ أصغر من جسم العود، يتراوح عدد أوتارها بين الأربعة والستة.  وكان أمير البزق هذا يتميز بقصر القامة حتّى كاد بعضهم يصفه بالقزم إذ كان يقارب طولُه طول آلته تلك.

وإبّان الحرب العالمية الثانية، كانت سوريا إحدى ساحات المعارك الحربيّة، بين تحالف القوّات البريطانيّة وقوّات فرنسا الحرّة – الجنرال شارل ديغول – من جهة، وقوات فيشي (Vichy) – المارشال بيتان (Henri Philippe Pétain) – الفرنسيّة المتحالفة مع الألمان، من جهة أُخرى.

ويروى أنّه، بعدما تغلّبَ البريطانيّون وحلفاؤهم في تلك المعارك، وسكتت قعقعة السلاح على الأراضي السوريّة، قرّرت القيادات العسكريّة إقامة حفلات ترفيهيّة للجنود الذين أنهكتهم الحرب. ومن بين هذه الحفلات واحدة يُحيِيها في دمشق أمير البزق لجنود بريطانيّين.

وبعدما امتلأت الصالة المعدّة لتلك الحفلة، وأخذ الجنود مقاعدهم، دخل أمير البزق يسير الهوينى كالأطفال حاملا آلته بيمناه، ففوجئ الجنود بقصر قامته، وعلت ضحكاتهم مع بعض الاستهزاء. وعلى الرُّغم من ذلك حافظ أمير البزق على هدوئه ولم يصدر عنه أيُّ ردّة فعل، وأكمل مِشيته حتّى اتّخذ له مقعدًا على فراشٍ أرضي. ثم استلّ ريشة العزف ووضعها بين إصبعي رجله اليمنى وراح يعزف النشيد الملكيّ البريطانيّ. فصمت أولئك الجنود وانتصبوا واقفين على أقدامهم، وقفة عسكريّة احترامًا لنشيد بلادهم الوطنيّ، حتّى انتهى العزف. فجلسوا وبقَوا صامتين مصغيين بكلّ احترام حتّى نهاية الحفلة.

رحمه الله، كان قصير القامة حقًّا، ولكنّه فرض احترامه بذكائه وعقله الراجح.