عارف أبو شقرا

عارف أبو شقرا

خمسون عامًا على وفاته

منذ خمسين عامًا غاب عنا عارف أبو شقرا. رحل باكرًا ولم يكن بعد قد أتمّ الستين من سنوات العمر.

عرفته ولم أعرفه. عرّفتني به، منذ صغري، أواصر القربى، ثم عشت قريبا منه بحكم الجوار في السكن. وأخذت أشعر بالرغبة، في حضور مجلسه، تزداد كلما زادتني الأيام نضجًا. ولكن الزمن لم يسمح لهذا الجوار أن يدوم سوى ما يقارب السنوات الثلاث لينهيها بوفاته، رحمه الله، وكنت قد أصبحت في ريعان الشباب. عرفت أنّه معلم يربي الأجيال وأديب وشاعر. ولكنّني يومها لم أطلع سوى على القليل من إنتاجه.

لم أعرفه لأن تلك الفترة من الزمن التي عشتها بالقرب منه، منذ انتقلنا من جديدة مرجعيون للإقامة في بيروت، في أواخر العام 1955 وحتى وفاته، لم تكن كافية لتعرّفني به حق المعرفة. كما لم تكن سنوات عمري يومها كفيلة بجعلي أدرك كيف أعرف الأدباء والشعراء.

وكم كنت أحضر مجالسه، وخاصة مع المرحوم والدي، لأتمتع بسماع تلك الأحاديث التي كانت تدور بينهما، يوم لم تكن بعد محطات التلفزة قد بدأت تدخل إلى أعماق خصوصيّاتنا فتحرمنا لذة التسامر. وكم استقيت من تلك الأحاديث من قواعد اللغة والأدب والأخلاق.

لم أنتسب يومًا إلى مدرسة كان يعلّم فيها، وعلى رغم ذلك فقد أخذت عنه الكثير في اللغة والأدب والأخلاق.

من صفاته الصدق والتواضع والقناعة وحبّ النظام وتطبيق أحكامه، حتى لو كان عليه أو على أحد أفراد عائلته. كما كان ورعًا ومتدينًا، ولكن من غير تزمّت أو تحجّر، حتى قال عنه المعلم كمال جنبلاط: «التمسّك بأهداب العقل جعل عارف أبو شقرا لا يتصورُ الإيمانَ والدينَ أشياء متحجرةً معقدةً.»

كما كان من أشدّ المطالبين بحقوق المعلمين في المدارس الخاصّة، بصفته عضوًا فاعلًا في نقابتهم. وقد كتب عدة مقالات في هذا الصدد في جريدة «الأنباء».

منذ حوالي السنتين شعرت برغبة تشدني إلى إعادة طباعة أحد كتبه المنشورة، الذي كان له أثرٌ كبيرٌ في مساعدتي في التخلّص من الكثير من الأخطاء الإملائية، عنيت: كتاب «دروس في الإملاء والمحفوظات»، مما جعلني أطّلع على الكثير من تراثه، ومن ثم مكّنني من استخلاص بطاقة التعريف هذه:

ولد عارف أبو شقرا في اليوم التاسع من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) من العام 1899، في بلدة عماطور – قضاء الشوف – لبنان. توفي والده، يوسف خطار أبو شقرا، ولم يكن هو، بعد قد أتم السادسة من العمر. فكان من والدته المرحومة عمّتي، «سليمة» أن رفضت مبدأ الزواج ثانية، وفاء لذكرى زوجها، ولتتفرّغ كليًا لتربية طفليها، «عارف» وشقيقته الصغرى «ليلى»، وبرعاية جدهما «خطّار». وتوفي «الأستاذ» عارف في الثالث من آب (أغسطس) من العام 1958. وكانت والدته لم تزل على قيد الحياة.

تلقى دروسه الابتدائية في مدرسة الإرسالية الإنكليزية في عماطور. ثم انتقل بعدها إلى مدرسة الشويفات الدولية (مدرسة شارلي سعد)، في بلدة الشويفات، حيث أنهى تحصيله الثانوي، في العام 1914. ومع بداية الحرب العالمية الأولى في ذاك العام، عاد إلى عمّاطور ليكون بين أهله وأقاربه وليهتم بالأملاك التي خلّفها له والده. ولكنّه في تلك الأثناء، لم يكن ليدع الأيام تذهب سدىً، إذ كان يتابع تحصيله العلمي على نفسه بما تيسر له من الكتب. وبعد انتهاء تلك الحرب، في العام 1918، عاد إلى بيروت فانتسب إلى الجامعة الأميركية، لمتابعة الدراسة في أصول التعليم، إلى أن حصل فيها على لقب «أستاذ».

بعد ذلك عاد إلى عماطور، حيث بدأ ممارسة مهنة التدريس، في مدرسة أنشأها بالاشتراك مع أمين أفندي عبد الصمد. ثم علّم في عين قني (المجاورة لعماطور) في مدرسة شفيق بك الحلبي.

في العام 1928 يمم ثانية، شطر بيروت ليصبح مدرّسًا للغة العربية والتاريخ في مدارس «جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية». وبعد ثمان وعشرين سنة، أي في العام 1956، انتقل إلى «مبرة الملك سعود لتعليم أبناء فلسطين»، في برج البراجنة من ضواحي بيروت، لمتابعة رسالته في التعليم، حيث بقي حتى وافته المنية في العام 1958.

لم يقصر «الأستاذ» نشاطه على التدريس فقط، تلك المهنة التي لم يتخلَّ عنها ما دام على قيد الحياة، بل أضاف إليها، مهنة تثقيفية أخرى لا تقل عنها أهمية، أعني مهنة الصحافة، مما أتاح له نشر أبحاثه في السياسة والاجتماع واللغة والتاريخ والأدب، إلى جانب ما ترجمه عن الإنكليزية إلى العربية.

كانت بدايته في الصحافة، في العام 1928، حين تولى رئاسة تحرير مجلة البادية، التي كان المرحوم نسيب، ابن خاله داود أبو شقرا، صاحبَها ومديرها المسؤول؛ وهي «مجلة أدب وتاريخ وعلم واجتماع». ولكنها، توقفت بعد سنتين فقط، بسبب النقص في المال.

وفي العام 1938 شارك في تحرير مجلة «الأمالي» التي كان الدكتور عمر فرّوخ صاحب امتيازها ومديرها المسؤول. وهي «مجلة أسبوعية تبحث في الثقافة». لكنها، أيضا، لم تعمر لأكثر من أربع سنوات، والأسباب دومًا مادية.

ومع انطلاقة جريدة «الأنباء» الأسبوعية، في 16 آذار من العام 1951، التي كانت، ولم تزل، تنطق بلسان «الحزب التقدمي الاشتراكي»، بدأ بكتابة سلسلة مقالات في السياسة والاجتماع في «زاوية»، خصصت له في صفحتها الأولى، عنوانها «دعاء»[1]، بتوقيع «أبي ذر». وكان اختياره لهذا الاسم عائدًا لإعجابه بالصحابي الجليل «أبي ذر الغفاري». وقد استمر في تحرير هذه الزاوية حتى العام 1954. وقد كان من الرعيل الأول في الحزب المذكور إذ يعود تاريخ انتسابه إليه إلى 1/5/1949 وكانت بطاقة عضويته فيه تحمل الرقم /10/. مارس مهام مساعد أمين السر العام للحزب من 12/3/1953 ولغاية 6/12/1955، هذا بالإضافة إلى تعيينه عضوًا مرشدًا في 28/4/1955.[2]

إلا أنه بعد العام 1954، لم ينقطع عن الكتابة في الصحف، فقد كانت له بضع كتابات في جريدة الأنباء وفي غيرها، في لبنان وفي بلاد الاغتراب نخصّ منها جريدة «صوت البيان» التي كان يصدرها أسبوعيًا، في مدينة نيويورك في الولايات المتحدة الأميركية، «صاحبها ومحررها: راجي ظاهر». وجريدة «نهضة العرب» التي كان يصدرها، في مدينة ديترويت – ميشيغن – في الولايات المتحدة الأميركية، صاحبها ومديرها المسؤول: سعيد داود فياض، مرتين في الأسبوع.

إلى جانب ذلك فقد نشر بعض القصص القصيرة في مجلة «الكتاب» التي كانت تصدر شهريًا عن دار المعارف في مصر وتعنى «بالآداب والعلوم والفنون». 

كتبه المطبوعة أربعة، اثنان من تأليفه هما: «دروس في الإملاء والمحفوظات»، طبع في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، و«ثلاثة علماء من شيوخ بني معروف»، طبع في العام 1957. والثالث: وضعه بالاشتراك مع الدكتور عمر فروخ وعنوانه «خمسة شعراء جاهليين»، طبع في العام 1944. والرابع: «الحركات في لبنان إلى عهد المتصرفية»، وضعه والده الذي لم يعش طويلًا ليتسنى له نشره، فبقي مخطوطًا إلى أن قام المرحوم عارف بنشره بعد أن تحرى نصَّ المخطوطة وعلّق على حواشيها وملاحقها ووضع مقدمتها وفهارسها، وذلك في العام 1952.

وقد ترك مخطوطة في «تاريخ جبل حوران»، كما له أيضًا مخطوطة حول «آداب المذهب الدرزي» عاجلته المنية، عشرين يومًا، قبل أن يتمكن من وضع اللمسات الأخيرة عليها، هذا ما قاله قبل وفاته بأيامٍ قليلة. ولكن ما يؤسف له أن فقدان الكثير من محتوياتها جعلها غير صالحة للنشر.

أما في الشعر فله ديوان لم يزل أيضًا مخطوطًا، إلى جانب قصائد متفرقة ألقاها في مناسبات مختلفة. ولا ننسى عدةَ أناشيد وضعها منها: نشيد المقاصد، ونشيد العاملية، ونشيد معهد التمريض، التابع لجمعية المقاصد الخيرية الإسلامية، وكذلك نشيد للجيش اللبناني، يعرف بنشيد بشامون[3].

وإذ أرجو الله أن يزيدنا في كل جيل من أمثال عارف أبو شقرا، أتمنى على كل من عرفه أو تتلمذ على يديه، أن يذكره بالخير وأن يطلب له الرحمة من الله العلي القدير.


[1] وفي الربع الأول من العام 1956 أصبح اسمها «شذرات» ولكنه لم يعد يحررها بشكل منتظم.

[2] هذه المعلومات زودتنا بها أمانة السر العامة في الحزب التقدمي الاشتراكي بإفادتها المؤرخة في 23/5/2007.

[3] وقد قام كاتب هذه السطور بجمع ما خلّفه عارف أبو شقرا من كتابات منها ما هو منشور في الصحف والمجلات ومنها ما كان لم يزل مخطوطًا، وصنفها في خمسة كتبٍ في مجلد واحد بعنوان «أعمال غير منشورة في كتاب لعارف يوسف أبو شقرا»، نشر في بيروت في العام 2011.