أي لعنة حلت في أرض الحضارات؟

أي لعنة حلت في أرض الحضارات؟

في العام 1921، قسّم الجنرال غورو، المفوض السامي الفرنسي على سوريا ولبنان في ذلك الوقت، سوريا إلى أربع دويلات هي: دويلة العلويين ودويلة جبل الدروز ودويلة حلب أو الشمال، ودويلة دمشق أو الجنوب، بالإضافة إلى سنجق الإسكندرون الذي وَهبَته فرنسا فيما بعد إلى الجمهورية التركية. فما كان من السوريين إلا أن وقفوا، يومها، وقفة رجلٍ واحدٍ مطالبين بوحدة بلادهم. فعمّت الاضطرابات والتظاهرات الأراضي السورية بأكملها. لم يحمل يومها، سواء العلويُّ أم السنيُّ أم الشيعيٌّ أم المسيحيُّ أم الدرزيُّ…، لواءً غير لواء وحدة بلاده، حتى أنّهم أرجأوا النضال ضد المستعمرين كي يحافظوا على تلك الوحدة. لقد كانت الدولة الفرنسية يومها دولةً عظمى خارجةً للتوّ منتصرةً، من الحرب العالمية الأولى، وعلى الرغم من هذا فقد خضعت لمشيئة الشعب السوري واستدعت الجنرال غورو وأرسلت مكانه الجنرال ويغان، الذي أعلن الدولة السورية في العام 1924 بعد توحيد تلك الدويلات الأربع المذكورة.

وفي العام 1954، في عهد الرئيس أديب الشيشكلي، قائد الانقلاب الثالث في سوريا، قامت في جبل حوران (حاليًا محافظة السويداء) ثورة احتجاجًا على ممارسات القوى الأمنية، وكان يومها سلطان باشا الأطرش حيًا يرزق، وفي أوج عزه، فأمر الشيشكليُّ بإرسال الجيش إلى السويداء لقمع تلك الثورة. فكان حصيلة الأعمال العسكرية نحو 300 قتيل، هذه الأعمال، التي لم تدم شهورًا بل أيامًا معدودات فقط، أسهمت في قيام تحالف لقوى المعارضة في معظم الأراضي السورية. حينها قال الشيشكلي قوله المشهور: «أعدائي كالأفعى رأسها في الجبل وبطنها في حِمص وتمتد إلى حلب». ثم تقدم بكتاب استقالته الذي قال فيه: «حقنًا لدماء الشعب الذي أحبّه والجيش الذي أفتديه…أقدم استقالتي من رئاسة الجمهورية إلى الشعب السوري العزيز…».

وفي العام 1958، استقال الرئيس شكري القوتلي، لا غير مرغمٍ فقط، بل برضاه الكامل، من رئاسة الجمهورية السورية لإتمام وحدة سوريا ومصر في الجمهورية العربية المتحدة. ولكنَّ هذه الوحدة لم تعمَّر طويلا، وأهمّ أسباب ذلك، تلك السياسة الاستبدادية التي اتبعها، في الإقليم الجنوبي أي سوريا، رجالُ الحكومة المعيّنين من قبل الرئيس جمال عبد الناصر، وعلى رأسهم من كانوا من المصريين. ممّا تسبب بقيام الثورة في سوريا في28 أيلول من العام 1961. فما كان من عبد الناصر، الداعي إلى الوحدة العربية الشاملة، إلا أن خضع لرغبة الشعب السوري وقبل بانفصال سوريا من دون إراقة نقطة دمٍ واحدة.

وها هي سوريا قاربت أن تطوي الشهر السابع عشر على بدء ثورتها، التي كلفتها حتى اليوم ما يقارب العشرين ألف قتيلٍ، أي أضعافًا مضاعفة لعدد الضحايا الذي أجبر أديب الشيشكلي على الاستقالة. هذا بالإضافة إلى الخسائر المادية الهائلة من جراء التدمير الذي تخلّفه أسلحة الطائرات والآليات الفتّاكة. هذا التدمير الذي لم تعرف سوريا يومًا مثيله، حتى إبّان أعتى الحروب التي عرفتها أراضيها، سواء في الحربين العالميتين أم مع إسرائيل أم في ثوراتها ضد المستعمرين. فإلى متى يتمسك رموز نظامها الحاكم بسياسة القمع التي تَبيَّن فشلُها منذ الأيام الأولى لنشوب ثورتها الحالية؟ ولماذا لا يتشبهون بالذين سبقوهم!!؟؟

وإلى متى تستمر هذه الأحداث؟ وإذا كان كل الأطراف يقولون بأنها نتاج مؤامرة حيكت في الخارج وتنفذ على الأرض السورية، فلماذا لا يعملون يدًا واحدةً على التصدّي لها بكل ما أوتوا من الوسائل لوقف حمّام الدم هذا الذي يحصد الأبرياء من الأطفال والنساء والعجّز قبل المتحاربين؟

أم هي لعنة القدر حلت في أرض الحضارات العتيقة، عقابًا لمن أخَّرها عن ركب الحضارات الحديثة؟

فالله يحمي سوريا قلب العروبة النابض، ويحمي شعبها الطيب المحب للخير.


[1] نشر هذا المقال في جريدة الحياة عدد 4/8/2012.