«عاليادل يا دل يا دل يا أم العبيدية!»[1]
اذكر أنّي ومعشرًا من أترابي أيام الحداثة، كنا نطرب بإنشادها مع غيرها من الأناشيد، نتخذ منها آية لهونا وبعد أن جاوزتُ الحداثة إلى الحوادث والأحاديث، وصار طبيعيًا أن أنظر إلى ذلك من حيث لم أكن أنظر، وقفت عند أم العبيدية هذه، فعرفت منها أنها كنية وصفية للمرأة، ولكني لم أعرف المقصود من هذه الكنية. ولذا رحت أبحث عن أم العبيدية التي آثرتْ أن تظل متوارية عني بحجابها.
ثم زال البأس بعد ذلك، فإنّ ما أعياني وجوده في المعاجم أوقعني عليه الاتفاق على هينة ويسر عند إحدى العجائز اللبنانيات. وترجَّح عندي أن الكلمة هذه بالمعنى الذي وُضعت له «إقليمية» لبنانية الوضع، وأنّ ما كان نكرة عندي وعند المعاجم، هو معرفةٌ عند معشر الشيوخ في لبنان. وفي تعريفها قالت العجوز ما يأتي:
العبيدية شكل من أشكال تجديل شعر العروس وتتألف من أربعة أجزاء.
1 ـ سالفان يجدلان من شعر الفوْدَين يتقاطعان تحت الذقن ويُردَّان إلى الوراء فيربطان على الرقبة. (الفَوْدُ: مُعظم شعر الرأْس مما يلي الأُذن. وفَوْدا الرأْس: جانباه).
2 ـ الصّدّ والرّدّ، جديلة تجدل من شعر (اليافوخ) أعلى الرأس تُشدُّ قُدُمًا نحو الجبهة وهناك تُفرق إلى جديلتين تفترقان في أعلى الجبين تمرّان عند أعلى العنق وتربطان في أعلى الرقبة.
3 ـ الجدايل وعددها تسعٌ تُجدل من الشعر المحيط بأعلى الرقبة، ترخى على الظهر وتعلق بها ضفائر من فضة.
4 ـ التريكيات ـ وهي خصل دقيقة من الشعر تُجدل في جانبي القذال ـ مؤخر الرأس ـ مما يلي الأذنين على شكل مثلّث أعلاه عند اليافوخ وقاعدته عند الجدايل، ولا تقل التريكيات هذه عن ثمانين خصلة، في كل مثلث أربعون.
فأم العبيدية إذًا، هي العروس المجدولة الشعر على الشكل الذي ذكر، وقد عزّزت العجوز قولها بأغنية أخرى على أم العبيدية، قالت: كانت النساء اللبنانيات إذا جلَون العروس غنّينها أغنيات مختلفة يدعونها جلوات، وقد قالت إحداهنّ في جلاء إحدى العرائس ما يأتي:
يا واقفه في الجلي يا أم العبيدية *** يا ناقلات العسل من غير زُبديه
هاتوا مصاحف وهاتوا كتب شرعية *** والياخذ البِيض ما له على السفر نيه.
(انتهى نص ما خطه الأديب عارف أبو شقرا،
وهذا نصّ الأغنية كما وجدته منشورًا على الفيسبوك على الصفحة الخاصة لمستمعي الأستاذ وديع الصافي):
عاليادي اليادي اليادي يا ام العبيدية .. بكرة حنين الهوى بيرجّعك ليّا ..
عنّك ما عندي غنا .. إنتي أمل روحي ..ياما قطفنا المنى .. وكنتي حدي تلوحي ..
بعدك العمر انضنى .. وتفتّحو جروحي ..وخرست طيور الهنا .. ع جدول الميّة …
عندي بهواكي أمل .. عالحما بتعودي ..وبيعود يحلا الغزل .. وبالوفا بتجودي ..
عمري يا حلوة انهزل .. وصفّرت ورودي ..وهمّي ع قد الجبل .. والدمعة بعينيا …
ناطر عشوك النوى .. بعد الجفا تطلي ..للحب نرجع سوا .. يا نجمتي هلّي ..
ونحيي ليالي الغوى .. ومنك عيني ملّي .. وتضحك نجوم السما .. وتدلك عليّا …
[1] من (أعمال غير منشورة في كتاب لعارف أبو شقرا) – تحقيق أسامة كامل أبو شقرا – بيروت – 2011. نشرت في مجلة المستقبل الكندي عدد تموز (يوليو) 2021 السنة الخامسة.