«بَرَزَان» الشعير

«بَرَزَان» الشعير

كانت العامّة، في القرن الماضي، تطلق اسم «البرزان» على البوق وهو الآلة الموسيقية التي تعرف بالفرنسية ب trompette، والتي كانت ولم يزل لها استعمالات مختلفة في الشؤون العسكرية والحربية، كإطلاق النفير والإنذارات والتعليمات، إلى جانب تحية العلم وغيرها. ولكلٍّ من هذه الحالات لحنٌ موسيقيٌّ خاصٌّ، يعلم منه الجندي ما يجب عليه فعله فور سماعه نغمة اللحن المنطلقة من البوق. وكانت العامّة تقول، عند سماعهم صوت البوق: «ضَرَبَ البَرَزَان».

وأيام كانت الجيوش تعتمد على الدواب كوسائل للنقل والانتقال، كان لكل تحرّك من حركات هذه الدواب لحنٌ خاصٌ أيضًا. فكان الزمّار يطلق العنان لبوقه باللحن المناسب حسب أمر القائد.

ويروى أنّ الجيوش العثمانية، إبّان مسيرتها في صحراء سيناء، بقيادة جمال باشا في حملته على مصر، في الحرب العالمية الثانية، واجهتها مشكلة شحّ المؤن الغذائيّة، بما فيها الشعير المخصّص لغذاء الخيول والبغال، ما اضطرّ المسؤولين إلى اعتماد التقنين في توزيع معظم تلك المواد، بما فيها الشعير المخصص للبغال. فكان أن أنهكَ الجوعُ هذه الأخيرة، فراحت تتباطأ في السير. فحضر الضابط المسؤول عن النقل بين يدي الباشا، وقال: يا جناب الباشا، لقد أرهقَ الجوعُ البغالَ فأخذت تقصِّر في المسير، وبرنامجُ التقنين لا يسمحُ لنا بإطعامها قبل ساعة من الآن.

فقال له الباشا: اطلب من الزمَّار أن يضرب لها «برزان الشعير»، كلّ ربع الساعة. 

وكان التكرار قد علّم البغال على أنّها ستحصل على الشعير بعد سماعها هذا «البرزان» بفترة زمنية محددة، فتسرع في المسير. وهكذا انطلت حيلة الباشا على البغال التي صارت تسارع الخطى في كلّ مرّة تسمعُ فيها صوت «برزان الشعير»، حتى ساعة إطعامها حسب برنامج التقنين.[1]

 

[1] روى لنا هذه الحكاية أستاذ التاريخ، المرحوم محمود درويش، في مرحلة دراستي الثانوية.