في أحد أيام الصيف من أربعينيات القرن العشرين وكعادتِهْ، غدا سليمٌ باكرًا بالذهاب إلى قطعة أرضٍ زراعيّة ورثها عن أبيه، في خَراج قريتِه في جبل لبنان، كي يتابع الاعتناء بما عليها من الشجر المثمر، كالتّينِ والزّيتون والعنب والخوخ والتفاح وغيرِه، وما زرعه من الخُضْرَةْ.
وكان لم يزل يرتدي «الشروال» اللبناني ككثيرين من أترابه. لم يحمل معه معولا أو رفشًا أو غيرَه من الأدوات التي يحتاجها المزارع عادة في عمله، فهو معتادٌ، كغيره من أبناء الجبل، أن يترك أدواته تحت شجرةٍ في إحدى زوايا الأرض التي سيؤمها في الغد، لإكمال ما بدأه من العمل في يومه، سواء من الرّيّ أم غيرِه، حسب المواسم. وهو كسائرِ أبناء الجبل، مطمئنٌّ إلى عدم ضياعها أو سرقتها، إذ كان الأمان يعمُّ لا قريتَه فقط، بل الجبلَ بأكمله، فلا لصوصَ في قريته أو حتى غرباء، ومعظمهم تربط بينهم روابط القربى أو النسب. وإذا احتاج أحدهم إلى أيٍّ من الأدوات فسيستعيرها من جاره، حاضرًا كان هذا أم غائبًا، ثم يعيدُها إلى مكانها فور انتهائه منها، ولذا كان جُلّ ما يجلبه أحدُهم معه هو بعضٌ من الزّاد ليقتاتَ به حتى عودتِه إلى منزله، ظُهرًا أو مساءً حسبما تدعو حاجة العمل في الأرض.
وصل سليمٌ إلى أرضه، بعد مسيرة نحو نصف الساعة، على طريقٍ متعرّجةٍ تنحدر نزولا. ولم يطُل به الوقت، بعد مباشرته عمله، حتى أحسَّ فجأة بحركة غريبة في «بحر شرواله»، فتحسّسه من خارج القماش وإذا بيده تمسك ما يشبه القضيب الطري، فشدّد قبضته عليه قائلا بأنَّها حيّة. فانطلق يجري مسرعًا صعودًا متّجهًا نحو القرية وهو يصيح: حيّة… حيّة… حيّة.
ولمّا اقترب من منزله وكان قد أحسّ بتعبٍ شديدٍ يكادُ يُوقفُ قلبه، جلس القُرفصاء ووضع رأس الحيّة على صخرةٍ صغيرة مستوية كالبلاطة، وأخذ حجرًا بيده الأخرى وراح ينهال ضربًا على ذلك الرأس. وكان، في الوقتِ عينه، قد لبّى نداءَه بعضُ أبناء القرية، وتجمّعوا حوله. وعندما تأكّد من إعدام الحيّة، أدخل يده في سرواله ليسحب «جُثتها»، وإذا بيده تخرجُ ممسكةً ببصلة خضراء. فتعالت من حوله الأصوات بالضحك والقهقهة وبعضِ كلمات السّخرية والتّهكم.
فتذكّر بأنّ ما حمله ذاك الصباح من زاد، كان رغيفًا من الخبز بيده، وبصلة خضراء بكامل أوراقها وضعها تحت زنّار «الشروال». فلمّا انزلقت إلى «بحر الشروال» تسبّبت له بتلك الفضيحة بين أبناء القرية.
[1] الشروال، لغة في سروال وهي كلمة معربة من «شلوار» بالفارسية.
[2] نشرت في مجلة المستقبل الكندي عدد حزيران 2020 السنة الرابعة.