اللغة خزانة التراث[1]
لغتُنا خزانة تُراثنا وبقدر محافظتنا على قواعدها ومعاني كلماتها يمكننا فهم هذا التراث فهمًا سليمًا وسهلاً. كلنا نعلم أنّ الكثير من الكلمات يقِلُّ استعمالها مع مرور السنين، لسبب أو لآخر، حتى الندرةِ أحيانًا، فتصبح بالنسبة للأجيال اللاحقة من غريب الكلام، مما سيرتب على القارئ المستقبلي أن يعود إلى المعاجم لفهم معانيها. فإن كان كاتبها قد اعتمدها في غير المعاني التي وضعت لها أساسًا، فسيجد هذا القارئ الصعوبة، أو حتى الاستحالة أحيانًا، في فهم ما يقرأ. فلو قرأ بعضنا اليوم مثلاً المقطع التالي بما فيه من كلمات، كثيرا ما تستعمل اليوم، وكتبت بمعانيها الأساسية لالتبس عليه فهم قصد كاتبه. وهذا نصه:
«بينما كنت ذاهبًا إلى بلدة كذا صادفني صديقٌ قائلاٍ: في طريقك هذه يا صديقي، مخاطر صعبة قد تؤخرك عن الوقت المحدد للمشاعر التي أنت بصددها. فشكرت له النصيحة وانصعت إلى حيث أشار فبلغت غايتي عن طريق لا حزونة فيها.»
بالتأكيد، الكثيرون ممن سيقرأون هذا المقطع لن يفهموا قصد كاتبه إلاَّ إذا عادوا إلى المعاجم ليجدوا التالي:
مخاطر: حسب لسان العرب لابن منظور:
المَخاطِرُ، المراقي، أي الدرج. والخطر يجمع على أخطار.
مشاعر: لا تعني الأحاسيس، ولا هي جمع شعور لأن الشعور مصدر والمصدر لا يجمع، إلّا إذا تحول إلى اسمٍ بذاته. ففي لسان العرب: المَشاعِرُ الحواسُّ؛ والمَشاعِرُ المعالم التي ندب الله إِليها وأَمر بالقيام عليها، مفردها شعار ومشعَر. وفي «محيط المحيط»: «مشاعر الحج، معالمه الظاهرة للحواس.»
انصاع: هذا الفعل لا يعني مطلقًا: أذعن أو خضع لكذا. ففي القاموس المحيط للفيروز بادي: انْصاعَ: انْفَتَلَ راجِعًا مُسْرِعًا. وفي لسان العرب: انْصاعَ أَي انْفَتَلَ راجعًا ومَرَّ مُسْرِعًا. وفي محيط المحيط: انصاع الرجل انصياعًا انفتل راجعًا مسرعًا ومرّ.
حزونة: في لسان العرب: الحُزونةُ الخُشونة، ومنها: حُزونة الجبال. وفي محيط المحيط: الحزونة، غلاظة الأرض وشدتها.
[1] نشر على صفحة جمعية أصدقاء اللغة العربية 19/2/2015. كما قرأته على أثير إذاعة الشرق الأوسط في مونتريال – كندا- إبان حلقة حوار مع الإعلامي الأستاذ فيكتور دياب في برنامجه الثقافي «ما خلصت الحكاية» في خريف العام 2016.