أقلية تفرض دستور «الإخوان»

أقلية تفرض دستور «الإخوان»

بالأمس وقّع الرئيس المصري، محمد مرسي، الدستور الجديد بعد أن نال 63.8% من أصوات الذين شاركوا في الاستفتاء فأصبح هذا الدستور ساريَ المفعول، فمبارك للإخوان المسلمين.

ولكن ما هو الدستور؟ هو ليس قانونًا عاديًا تكفيه موافقة الأكثرية كي يكون صالحًا للتطبيق. إنّه بمثابة ميثاقٍ يُعقد بين أبناء وطنٍ واحدٍ مختلفي الآراء والمعتقدات فكريًا وعرقيًا ودينيًا ومذهبيًا واجتماعيًا، يحدد أسس وأحكام العيش فيما بينهم. وقد أشبهه بعقد الزواج مع فرقٍ بأن هذا الأخير يكون بين شخصين اثنين بينما يكون الدستور بين أفراد مجتمع بكامله. وبالتالي يجب ألّا تصاغ نصوص الدستور إلا بعد التشاور والتفاوض مع ممثلي تيارات المجتمع كافة لوضع قواسم مشتركة لتلك الأسس والأحكام التي يتحتّم أيضًا أن تحظى بموافقة الجميع من دون استثناء.

ولنقرأ ما فعله النبيّ محمدٌ ﷺ، بعد وصوله وأصحابه إلى المدينة المنورة مهاجرين من مكّة المكرمة. لقد كان سكان المدينة مجموعة من عدة قبائل لكلّ منها عادات وأعراف ومعتقدات تختلف عن غيرها، أسوة بما كان عليه سائر العرب في جميع أنحاء الجزيرة العربية. فمنهم من كان قد أسلم، وهم الأنصار، ومنهم من كان مسيحيًا أو يهوديًا أو وثنيًا أو لا معتقد له، تحكمه عادات وتقاليد قبيلته. وقد أمضى النبي ﷺ نحوَ الأشهر السبعة يباحث ويفاوض مكوّنات هذا المجتمع الصغير حتى توصّل إلى وضع «ميثاق المدينة» بعد أن حظيَ هذا بموافقة جميع تلك المكونات، وهذا الميثاق يعتبر أول دستور مدني مكتوب في التاريخ العربي.

فكيف تم وضع دستور مصر الجديد؟ شكلت لجنة صياغة الدستور بانتخاب أعضائها المائة من قبل مجلسي الشعب والشيوخ اللذين كان يسيطر عليهما الإخوان المسلمون وحلفاؤهم من السلفيين، مما يعني أن أكثرية أولئك الأعضاء يمثلون تياري الإخوان والسلفيين أو مقربين منهما. وإبّان عمل هذه اللجنة، اعترض على طريقة عملها ليس فقط ممثلو الأقباط، بل أيضًا ممثلو التيارات والأحزاب المدنية الأخرى، ولمّا لم يلقوا تجاوبًا على اعتراضهم انسحبوا من اللجنة. وبدلا من أن يصار إلى إعادة تكوينها من جديد لتكون مقبولة من جميع الأطراف، استمرت في عملها بمن بقي فيها من أعضاء فأصبحت ذات لون واحد، وبالتالي لا تكون قد خالفت السنّة النبوية فقط، بل أيضًا لم يعد يجوز لها أن تكتب مادة واحدة من مواد ميثاق يجعل شرحات عديدة وكبيرة، من شرحات المجتمع المصري، تشعر بأنها مهمشة ومغلوبة على أمرها، وهذا يخالف أصول وأحكام المساواة بين أبناء الوطن الواحد، التي هي من أولى البديهيات الدستورية. ولا ننسى أن عدد الأقباط وحدهم قد يبلغ الملايين العشرة.

وإذا أعدنا قراءة نتائج     ذاك الاستفتاء لرأينا ما يلي: لقد بلغ عدد المشاركين فيه 33.4 % من مجموع المسجلين، أي ما يزيد قليلا عن 17 مليون شخصٍ على أساس أن عدد المسجلين هو بنحو 51 مليونا، بينما بلغ عدد المقترعين في الجولة الثانية لانتخاب رئيس الجمهورية نحو 26.5 مليونا أي أن ما يقارب العشرة ملايين من الذين شاركوا في الانتخابات امتنعوا عن المشاركة بالاستفتاء. أمّا الذين قالوا «نعم» للدستور فبلغوا 63.8% من مجموع الذين اقترعوا، أي ما يزيد قليلا عن 11 مليونا، أمّا لو عاد وشارك بالاستفتاء هؤلاء الممتنعون لانقلبت النتائج رفضًا للدستور. ثم إذا كان عدد سكان مصر حاليًا بنحو واحد وتسعين مليونًا فتكون نسبة الذين وافقوا على الدستور بنحو 12.25%. فهل يُعقل أن تفرض نسبة ضئيلة كهذه أرادتها على 87.75 % من الشعب المصري؟

كما لا بد لنا من أن نشير إلى أن نسبة الأميين في مصر تساوي نحو 28 % من مجموع الشعب المصري، ولا يخفى على أحد أن الأمّيَّ غالبًا ما يتوجه كما يوحي أليه رجل الدين…


[1] نشر هذا المقال في جريدة الحياة العدد 18177، 9 كانون الثاني 2013.