الدُّبُرُ الرئيس
في الأساطير، أن أعضاء جسم أحدِ أبناء البشر، اجتمعوا للتداول في شان أداء عمل أعضائه جميعها.
فقال الدماغ: كلٌّ منّا ومن سائر الأعضاء، يعمل لمصلحة هذا الجسد الذي نعيش فيه، ولكن كثيرًا ما يتهاون أو يتقاعس أحدُنا في القيام بدوره، سواء عن خطأٍ أم إهمالٍ أم غيره. ولذا أقترح أن نُكلّف أحدَنا بمهام تنظيم ومراقبة أداء سائر الأعضاء. وبما أنّي أحتل الموقع الأعلى في رأس الإنسان، ولأنّي أقدرُكم على التخطيط والتفكير، فأرى أن تعلنوني رئيسًا عليكم، وأن يعلن كلٌّ منكم ولاءه لي.
فقال اللسان: بل أنا أولى منك بذلك، لأني لولبُ ترجمة أفكارك وتنظيمك، ولولبُ تأمين وتوزيع الغذاء لجميع أعضاء وغدد الجسم.
فقال القلب: أيها الدماغ، على الرُّغم مما لك من القدرات، فلا تنسَ أنّك تتوقف عن العمل إبّان نوم الجسد، بينما لا أتوقف أنا ولو لثانية واحدة، كي يبقى هذا الجسد حيًّا.
واعترضت الرئتان بالقول: ولكن، أيها القلب، أنت لست وحدك من يعمل على مدار الساعة، فنحن من نؤمن الهواء المنعش واللازم لك، ولتنقية الدّماء التي تغذي سائر أقسام الجسد.
واحتدم النقاش والجدال بين الجميع، كلٌّ يطلب الرئاسة له. إلى أن صاح فيهم الدُّبُرُ، قائلا: اسمعوني جيدًا، فمهما كانت قدرات أيٍّ منكم، فأبقى أنا أفضلكم للرئاسة لأني أقواكم جميعًا.
فانطلقت ضحكات التهكّم من معظم أعضاء الجسد الذين سمعوا كلام الدُّبُر.
عند ذاك، صاح الدبر مجدّدًا قائلا: إن لم تقبلوا بالحسنى فانتظروا ما سيحلُّ بكم جميعًا.
وفي اليوم التالي، وبعد أن أيّدته الأمعاء، بشقيها الغليظ والدقيق، شدّ الدبر عضلاته بأقصى قوتها، فتعطّل بذلك خروج الثفل.
وفي منتصف اليوم الثالث، وبعدما شعرت سائر الأعضاء بالخطر على صحتها وصحة الجسد بالكامل، الناجم عن تراكم السموم، التي بدأت بتعطيل عمل معظم غدده وخلاياه، أذعنت وقبلت على مضضٍ، وبشبه الإجماع، وأعلنت الدّبُر رئيسًا عليها ولمدة محددة، على سبيل التسوية.
فاعتلى الدُّبر كرسيّ الرئاسة، وأرخى عضلاته بالكامل. وجرّاء ما أمّنته له تلك الكرسي من الراحة، صار يُمضي معظم أوقاته متراخيًا وشبه نائمٍ. فكان أن راحت الغدد المحيطة به تعيث فسادًا، في ظلّ سكوت الأمعاء عما يحصل.
وما كاد نصفُ مدة الرئاسة المتفق عليها، حتّى بدأ السَّقام يظهر على معظم مفاصل وأعضاء الجسد. فراحت تتوالى الاعتراضات والانتقادات على سوء أداء الرئيس وحلفائه ومن حولهم. ولكن بدل أن يضحّي ذلك الرئيس، بما لم يكن يستحقُّه من النِّعم، في سبيل مجموع الجسد، أصرّ على إكمال مدّة ولايته، غير مبالٍ بما يجري، وبصحة الجسد، مستمدًا الدعم من الأمعاء.
ولم تكد تنتهي تلك الولاية حتى أوشك التّلف أن يُفني أعضاء وأجزاء ذلك الجسد التعيس، الذي كان في السابق يُضرب المثل بوسامته ونضارته ورشاقته.