«اختلاف الرأي لا يفسد للودِّ قضية»
قال لي صديق يومًا: يا صديقي، إنّني معجبٌ بكتاباتك على وسائل التواصل الاجتماعيّ. ولكنّي أرجوك ألّا تكتب في شؤون السياسة اللبنانيّة.
قلت: ولماذا؟
قال: لأنني لا أريد أن أخسر صداقتك.
قلت: وما شأن ما أكتبه في صداقتنا؟
قال: لأنّ آراءك في تلك السياسة تخالف آرائي.
قلت: أتذكُر يا صديقي كم هو عمر صداقتنا؟
قال: أجل، نصف قرنٍ أو أكثر.
قلت: وهل كانت آراؤنا هذه على مدى تلك السنين متوافقة دومًا؟
قال: لم ألمس يومًا اختلافها.
قلت: بينما لمسته أنا مرّاتٍ عدّة، ولكنّي لم أُبدِ لك مرةً امتعاضي من ذلك.
قال: ولماذا لم تُشعرني به؟
قلت: لأنّني كنت على يقينٍ من أنّه لم يكن ليغيّر في رأيك أو في رأيي. ثم هل من الممكن أن نجد في الكون اثنين تتطابق آراؤهما كلّيًا؟ وأليس من المستحيل أن يدوم هذا التوافق إن وجد مدى العمر كما تدوم الصداقات؟ بل هل يجوز أن تكون الصداقة مشروطةً بتوافق الآراء؟ وإن كان الأمر كذلك، فهذا يعني في رأيي أن تنعدم الصداقات بين البشر.
قال: ولكنّني لا أحتمل أن أراك مع الفريق الآخر.
قلت: ألسنا أبناء وطنٍ واحد؟
قال: بلا.
قلت: وهل لديك أيُ شكٍّ في وطنيتي؟
قال: بالتأكيد لا، وألف لا.
قلت: وأنا أيضًا ليس لديّ شكٌّ في حبّك للوطن، وفي أنّك تريد الخير له ولأبنائه أجمعين. وهذا ما أريده أنا بدوري. فهدفنا واحدٌ إذًا، ولكنّ كلًّا منا يسعى إلى تحقيق هذا الهدف بالسير على الطريق التي هو مقتنع بأنّها هي الصائبة. وهذا هو أهمُّ أسس الديمقراطية.
قال: ولكنّ النهج الذي نسير عليه نحن، هو الكفيل بتحقيق أهدافنا.
قلت: وهكذا يظنّ كلُّ إنسان. ولكن، لماذا لم تنفصم عرى صداقتنا على مدى تلك السنين، على الرُّغم من أنّنا على دينين مختلفين، وكلٌّ منا مؤمنٌ بأن دينه هو الصحيح، وإلّا لكان تخلّى عنه؟
قال: لأنّ كلّا منا يحترم دين الآخر.
قلت: ولماذا تحترم معتقدي الدينيّ ولا تحترم رأيي السياسيّ؟
قال: لأنّ كلًّا منّا متمسّكٌ بإيمانه ولا مجال لأن يتخلّى عنه، كما أسلفتَ أنتَ.
قلت: ولا تنسَ يا صديقي أنّ رجال السياسة، لا في لبنان وحده بل في معظم أنحاء العالم، قد تراهم اليوم مختلفين وإذا بهم بعد مدة يتحولون إلى أعزّ الأصدقاء، والعكس جائزٌ في كلّ ساعة. وهذا لأنّ مصالحهم الشخصيّة أو الانتخابيّة… هي التي تحكم مساراتهم. فهل على مؤيّدي كلٍّ منهم أن يختلفوا اليوم فيما بينهم ليتصالحوا غدًا، تبعًا لمزاجية ومصالح أولئك السياسيّين؟
إنّي أؤمن يا صديقي، بأنّني لستُ دومًا على حقٍّ، فقد يكون غيري مُحِقًّا وأنا مُخطئًا، فلا يجوزُ لي بالتالي أن أرفضَ رأيَ غيري فقط لأنّه يُخالفُ رأيي. كما أنّ عليَّ أن أقبل الناس كما هم، فأنا لا أستطيع إعادةَ تكوينهم كما أرغب في أن يكونوا. أمّا أن أفرض عليهم أن يكونوا على رأيي، أفلا تراه نوعًا من القمع الفكريّ؟ وبماذا يختلف تفكيري عندئذٍ، عمّن يريد فرض معتقده الدينيّ أو المذهبيّ على غيره؟ وإن لم يجد من يردعه فقد يعمد إلى تحقيق مراده بالقوة، لتعود أيّام التنظيمات والجبهات الإرهابية بدءًا بالقاعدة ثم النصرة فداعش.
لا يا صديقي، فالصداقة أسمى من أن تُحكم بمثل ذاك الشرط. وأبناء الوطن الواحد إخوة مهما تنوّعت أفكارهم ومعتقداتهم. ومن يختلف معي في الرأي، ليس عدويّ. ويقول الإمام عليّ (كرم الله وجهه): «الناس صنفان، إمّا أخٌ لك في الدين أو نظيرٌ لك في الخلق». واحترام آراء الآخرين دليلُ رُقيِّ الفكر وسموِّ الأخلاق والتحضُّر.
ولنتذكرْ دومًا قول أحد الحكماء: «اختلافُ الرّأي لا يفسد للودِّ قضيّة».
[1] نشرت على موقع «المنبّه» الإلكتروني في 9/10/2020.