في استقلالية القضاء
إنَّ ما يتعرض له، حاليًا، مشروع مرسوم التشكيلات القضائية، كما أعدّها مجلس القضاء الأعلى، وبخاصّة اعتراض وزيرة العدل وتأخرها في توقيعه، أعادني إلى أحد مواقف الوزير والنائب السابق الأستاذ إدمون رزق، أطال الله عمره، يوم كان وزير العدل في حكومة الرئيس الدكتور سليم الحص، أطال الله عمره، في عهد المرحوم الرئيس الأستاذ إلياس الهراوي.
كان ذلك في العام 1993، يوم أحال مجلس القضاء الأعلى مشروع مرسوم التشكيلات القضائية، إلى وزير العدل، الأستاذ رزق، فقام هذا الأخير بتوقيعه من دون مراجعة تفاصيلها. ثم حمله، مع مرفقاته، إلى مقرِّ رئاسة الوزراء، وقدمه إلى الرئيس الحص للتوقيع.
فقال له الرئيس الحص: لديَّ سؤال.
فقال الوزير رزق: أرجو إرجاءه إلى ما بعد التوقيع.
لم يعترض الرئيس الحص ووقّع المرسوم من دون تأخيرٍ أو تلكؤ. بعد ذلك سأله الوزير رزق عمّا كان يريد أن يسأله.
فقال الرئيس الحص: لم يكن سؤالي من قبيل التدخّل في تفاصيل التشكيلات، بل كان فقط لمعرفة المركز الذي سينقل إليه القاضي فلان.
فأجابه الوزير على استفساره بعد مراجعة لوائح التشكيلات.
ثم انتقل الوزير رزق إلى مقرِّ رئيس الجمهورية. ولما وضع مشروع المرسوم بين يدي الرئيس الهراوي، قال هذا الأخير: عندي سؤال.
فقال له الوزير رزق: رجاء دعه إلى ما بعد التوقيع.
فقام الرئيس الهراوي بتوقيع المرسوم من دون أيّ تردد. فقال له الوزير رزق: والآن ما هو سؤالك يا فخامة الرئيس؟
فأجابه الرئيس: لم يكن سؤالي للتدخل في تفاصيل التشكيلات أبدًا، بل كنت أرغب في معرفة من سيكون في مركز كذا في بعبدا.
فأجابه الوزير على سؤاله، أيضًا بعد مراجعة اللوائح.
فكم نحن اليوم بحاجة إلى رجالٍ من أمثال الوزير رزق والرئيسين الهراوي والحصّ؟
فيا معالي الوزيرة، السيدة ماري كلود نجم، والتي، قبل أن تكوني وزيرة العدل، كنتِ محامٍ في الاستئناف، كما الوزير رزق، وكنتِ أيضًا بروفسور لدى كلية الحقوق والعلوم السياسية في جامعة القديس يوسف في بيروت، ورئيسة قسم القانون الخاص ومديرة مركز الدراسات الحقوقية للعالم العربي، واستاذة زائرة في جامعة بانتيون في باريس[2]؛ أي أنك من العارفين جيدًا بحاجات البلاد، وبخاصّة حاجتها إلى قضاء مستقل؛ كم كنّا نتمنى أن يكون موقفك من مشروع التشكيلات القضائية الحالي، مشابهًا لموقف الوزير الأستاذ إدمون رزق، ولو بعدم التأخر في توقيعه فقط، بعدما رده إليكِ مجلس القضاء الأعلى عملا بالأنظمة والقوانين المرعية.
[1] كتبت هذا المقال في 9/4/2020 ونشرته على الفيس بوك
[2] l’université Paris Panthéon Assas