من يحدد مقاييس الجمال؟

منذ سنوات وأنا أبحث، عبثًا، عن الشخصِ أو الأشخاصِ الذينَ يُحدِّدون مقاييسَ جَمالِ النساءِ في عصرِنا هذا؛ فهل منكم من يَدلُّني على واحدٍ منهم؟ أُريدُ أن أسألَهُ عن الأُسسِ والقواعدِ التي ينطلقون منها لتحديدِ مواصفاتِ ومقاييسِ ذلك الجمال.

أما أنتِ سيدتِي فمن قال لكِ بأنكِ ستكُونينَ أكثرَ جمالًا إذا ما كانت شفتاكِ مُنتفِخَتَين؟ من قال لكِ بأنك إذا لم يَعدْ انتفاخُ شفتَيكِ يسمحُ لكِ بالنُطقِ بسهولةٍ، كما لو أنَّ مجموعة من النحل قد لسعتْهُما، تكُونينَ قد لامستِ عتباتِ الجمالِ المُطلقِ؟

من قال لكِ بأنكِ إذا ارتفعَتْ وجنتاكِ، حتى تغورَ عيناكِ، وكأنهُما تنظُرَانِ عبرَ نفقَينِ، ستكُونينَ قد قطعتِ مسافةً لا بأسَ بها على الطريقِ المُؤدي إلى الجمالِ الكُلِّي؟

من قال لكِ بأن الأنفَ المرفوعَ حتى انفراجِ الخَيشومَينِ هو من أهمِّ مقاييسِ الجمالِ؟

بربكِ، سيدتي، أصدقيني: أهوَ جرَّاحُ التجميلِ، الذي يتقاضى آلافَ الدولاراتِ عن إجراءِ الواحِدةِ من تلك العملياتِ؟ أمْ هي الغِيرَةُ تدفعُكِ إلى ذلك؟ إذ كيفَ تكونُ شفتَا جارتِكِ قد نُفختَا وأنتِ ما زلتِ «متخلفةً عن ركبِ التحضُّرِ»، إذ لم تزلْ شفتَاكِ كما خلقهُما الله تعالى؟ أو كيفَ تكُونُ تلك السيدةُ التي غالبًا ما تلتقِينَها، عند المُزيِّنِ أو في النوادي أو في الحفلاتِ، قد رفعَ لها ذلكَ الجراحُ وجنتَيها ولم تزلْ وجنتاكِ في مكانيهِما؟

ثم من قالَ لكِ بأنَّ وضعَ بِضعةَ أقراطٍ في الأذُنِ الواحدةِ، ولنْ أقولَ في أماكِن أخرى… هو غاية في التزيُّنِ؟ ألم يكنْ بائعُ الحُليّ، الحقيقيةِ أو المُزيفةِ، قد نشرَ في مجلاتِ «المُوضةِ» صورةً لتلكَ «الفنّانةِ المشهورةِ»، مُتزيّنة بشيءٍ من اختراعاتِه، كي تتشبَّهِي بِها عمَلًا بمبدأ: «إنَّ التّشَبُهَ بالكِرامِ فَلاحُ»، فتتغذى حساباتُه في البنوكِ من الأموالِ التي ستدفعينَها، أنتِ وقرِينَاتُك، ثمنًا لتلكَ الأقراط؟

ألا يكفي اندفاعُكُنَّ، سيدتي، في تنفيذِ أوامرَ «السلاطِين»، مُصمِّمي الأزياءِ، القابِعِينَ في باريس وميلانو ونيويورك؟

أم هلْ تعتقدِينَ حقًا بأنَّ كلَّ ما يبتَدَعُهُ جَشَعُ التجارِ يُناسِبُ كلَّ واحدةٍ مِنكنَّ؟ أم أنكنَّ لا ترغبُنَّ في نقضِ مَقولةِ: «إذا كنتَ تريدُ الثَّراءَ فتاجِرْ بما يخصُّ النِّساء»؟

لا سيدتي، ثِقِي بأن ما خصَّكِ بهِ من خلقَكِ «في أحسنِ تقويمٍ» هو في نظرِنا، نحن الرجالَ، أفضَلُ وأنسبُ لكِ مما قد يَصْطَنِعُهُ أيُّ مخلوقٍ، فالخالقُ أعلمُ من المخلوقِ وهو خيرُ الصانعين. وتأكّدي بأنَّ لكُلِّ عُمرٍ طعمَهُ ومقاييسَ جمالهِ.


[1] نشر هذا المقال في جريدة الرسالة – كندا – العدد 417 تاريخ 15/6/2018.