رسالة إلى أبي بكر البغدادي
بأي تحية أحيّيك يا أبا بكر؟ أبتحيّة الإسلام؟ وتحية الإسلام «السلام»؟ فأين السلام والإسلام مما ترتكبون أنت وأتباعك وأمثالكم؟
هل يكون السلام في قتل وذبح وتشريد الأبرياء؟ وقد قال تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ} (الإسراء 33)، كما قال: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ} (البقرة 84)، و{ثُمَّ أَنتُمْ هَـؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ} (البقرة 85)؟
أم هو في تهديم المنازل والمساجد والكنائس؟ وقال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا} (البقرة 114)، و{وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا} (الحج 40)؟
أم أنّ الإسلام في تكفير المسلمين وغير المسلمين؟ ألم يأمرنا تعالى: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} (النساء 94)؟ وها هو يخاطب رسوله الكريم: {وَمَن كَفَرَ فَلَا يَحْزُنكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} (لقمان 23)، و{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (الأنعام 117)، كما يقول: {وَمِنهُم مَّن يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُم مَّن لاَّ يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ} (يونس 40).
وعن النبيّ ﷺ أنّه قال: «من قال لأَخيه يا كافر فقد باء به أَحدهما، لأَنه إِما أَن يَصْدُقَ عليه أَو يَكْذِبَ، فإِن صدق فهو كافر، وإِن كذب عاد الكفر إِليه بتكفيره أَخاه المسلم.»
ثمّ أين أنتم من قوله تعالى: {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ} (يونس 99). و{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (الحج 17)؟
وهو الذي أمر نبيه الكريم قائلًا: {أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا} (النساء 63)، و{فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ} (الرعد 40)؟
وهل يكون الإسلام في إكراه النساء على البِغاء تحت اسم «جهاد النكاح»؟ وكم امرأة قتلتم من اللواتي رفضن بدعتكم هذه التي غلّفتم بها إشباع غريزتكم الحيوانية وألبستم بها الزنى لباسًا دينيًا؟ وقد قال تعالى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} (النور 33)؟
أم الإسلام في رجم امرأة حتى الموت اتهمتموها بالزنى من دون إثبات كما أمر تعالى: {وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ} (النساء 15). و{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (النور 4)؟ وهل هناك قتلٌ أشد وحشية وتعذيبًا من القتل رجمًا؟ والأفظع أيضًا أن تنفذّوه باسم الله الرحمن الرحيم، الذي {كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} (الأنعام 12)، {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ} (الكهف 58). فأين الرحمة في هذا القتل؟
ثم أين هو الزاني؟ فهل يُعقل أن تتم واقعة الزنى من دون زانٍ؟
وأنَّى لكم تطبيق عقوبة الرجم التي ابتدعها بعضهم خلافًا لما قاله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ} (النور 2)؟
أم أنّ الإسلام في سبي النساء وبيعهن رقيقًا؟ ألم تفقهوا بأن الإسلام قضى على الرّقِّ؟ فكم من الذنوب كفارته تحريرُ رقبة؟ فهل مهمتكم الآن إعادتنا إلى عهود الظلم والظلام؟ ثمَّ ألم تقرأوا ما قاله عمر بن الخطاب (رضي الله عنه): «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟»
لقد أطلقت على نفسك اسم «أبو بكر» تشبهًا بأول الخلفاء الراشدين (رضوان الله عليهم)، فبالله عليك بماذا تشبهت به؟ أبإعفاء اللحية وارتداء الجلباب؟ فأين أنت من أبي بكر الذي أوصى أسامة بن زيد، أمير أول جيش للفتح بعد وفاة الرسول ﷺ قائلًا: «اغزوا باسم الله وفي سبيل الله، لا تخونوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلًا صغيرًا ولا شيخًا كبيرًا ولا امرأة، ولا تقطعوا شجرة ولا تقعروا[2] نخلا ولا تحرقوه ولا تذبحوا شاةً ولا بعيرًا إلاّ لمأكلة. وإنكم ستمرّون على أقوام فرّغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرّغوا أنفسهم له. قاتلوا من يقاتلكم وسالموا يسالمكم.»؟
وتدَّعون بأنّكم تقيمون دولة الإسلام فأيّ إسلام هذا؟ الإسلام يا أبا بكر دين الرحمة. {وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} (النمل 77)، فأين الرحمة في ذبح الأبرياء ذبح النعاج؟ وأين الرحمة في القتل رجمًا؟
فيا أبا بكر إن كنتَ حقًّا مسلمًا وغير مدفوعٍ ممن يضمرون الشرّ للإسلام والمسلمين، فعُدْ أنت ومن معك إلى تعاليم دينكم الحنيف كما جاءت في القرآن الكريم وحده. {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (العنكبوت 51).
[1] نشر هذا المقال في جريدة الحياة عدد 13 كانون الثاني2015. كما كان موضوع حوار مع الإعلامي الأستاذ فادي هاروني على أثير راديو كندا الدولي في 27/1/2015.
[2] قَعَر النخلَةَ: قَطَعَها من أَصلها.