أين نحنُ اليومَ منَ الإسلامِ؟

أين نحنُ اليومَ منَ الإسلامِ؟

أقنعوا المرأة بأنَّها «ناقِصةُ عقلٍ وناقصةُ دينٍ»، وأنَّها خُلِقتْ لمتعةِ الرّجلِ ووِلادةِ الأطفالِ، وأنَّ كلَّ ما فيها عورةٌ، وبالتالي عليها أن تسْتَتِرَ من أعلى راسِها حتى أخمصِ قدمَيها، فألبسُوها ثيابًا أطلقوا عليها صفةَ اللّباسِ الشرعي. وأنَّها لن تكونَ مؤمِنةً ما دامَتْ من دونِ غطاءِ شعرِها بما سمَّوهُ «حجابًا».

 

وأقنعُوا الرجلَ بأنَّ إسلامَه هو في إطلاقِ لِحيتِه وحلقِ شاربَيهِ، إلى جانب الصِّيام والصَّلاة. وإن تعمَّمَ وارتدَى ثوبًا كثوبِ النَّبيِّ ﷺ أو أصحابِهِ، فسَيَحِقُّ له عندئذٍ إصدارُ الفَتاوى بالتّحليلِ والتّحريمِ وبالتّكفيرِ والذّبحِ والرجْمِ وغيرها.

 

لا يا سيدتي، الإسلامُ ليسَ جِلبابًا أو خِمارًا أو نِقابًا أو ما يُسمى «حجابًا»، «تستُرينَ» بهِ وجهَكِ أو رأسَكِ أو شعرَكِ. فأنتِ لستِ «عورةً»، ولا جهازًا «للتفقيس»، بلْ أنتِ أمٌّ و«الجنّةُ تحت أقدامِ الأمهاتِ». وأنتِ والرّجلُ زوجان يسكنُ إليكِ وتسكُنينَ إليهِ، {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (الروم 21) وهناك بونٌ شاسعٌ بينَ السَّكنِ والمتعةِ. وأنتِ أختٌ وابنةٌ. وأنتِ مَعينٌ للحنانِ والمحبةِ والعطاءِ.

 

 وأنتَ يا سيدي، الإسلامُ ليسَ ثوبًا ترتديهِ أو عمامةً تتعمَّمُها أو لحيةً تُطلِقُها أو شاربًا تحفوهُ. ف«اللحيةُ لا تصنعُ العلماءَ» مهما طالَتْ أو عرضَتْ. والتّحريمُ والتّحليل للهِ وحدَه، {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ} (النحل 116).

 

والإسلام ليس تكفيرًا أو ذبحًا لمن خالفَكَ الرّأيَ، {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ… وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (الأنعام 151)، {مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} (المائدة 32).

 

والإسلام ليس رجمًا لمُتَّهمةٍ بالزِّنَى، فلا رجْمَ في القرآنِ الكريمِ، وتهمةُ الزني يحتاجُ إثباتُها إلى أربعةِ شهود، {وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا* وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا} (النساء 15-16)، و{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (النور 4).

 

الإسلامُ توحيدٌ وإيمانٌ، {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (البقرة 285).

 

الإسلامُ رحمةٌ وطهارةٌ في القلبِ واللسانِ، {وَإِذَا جَاءكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (الأنعام 54)، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} (الأنبياء 107) {وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} (النمل 77).

 

الإسلامُ في حُسنِ الأخلاقِ والسلوكِ والمعاملةِ، {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (النحل 125)، {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ} (المؤمنون 96).

 

الإسلامُ تقوى اللهِ ولسانُ صدقٍ ووفاءُ عهدٍ، {وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} (الشعراء 84)، {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} (النحل 16).

 

الإسلام في العملِ الصّالحِ والإحسانِ، {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (النحل 97).

 

الإسلام قولٌ بالمعروفِ، {قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى وَاللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ} (البقرة 263).

 

ويا أخي المسلم، ليسَ عليكَ هدايةُ الناسِ، {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (القصص 56).

واذكرْ أنّه تعالى قد نهى، حتى نبيَّه الكريمَ، عن إكْراهِ الناسِ في الدّينِ والإيمانِ، فلا يجوزُ، بالتالي، لأيِّ مسلمٍ أن يُكرِهَ أحدًا على الإيمانِ، {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ} (يونس 99).

كذلك ليسَ على المسلمِ محاسبةُ غيرِهِ أيًّا كانَ إيمانُهُ، بل هي للهِ وحدَه، {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (الحج 17).

 

وإنْ شئتَ أن تدعُوَ الناسَ إلى الإسلامِ، فدعْهُم يرونَهُ في سُلوكِكَ وأخلاقِكَ وتعامُلِكَ. وهذا أفضلُ بكثيرٍ من أن تُلقي عليهِم آلافَ المحاضراتِ، أو أن تعْقِدَ مِثلَها من الندواتِ، كي تشرحَ لهم فضائِلَ الإسلامِ، أو ما أمرَنا اللهُ تعالى بهِ في القرآنِ الكريمِ، {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} (البقرة 44)، و{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ*} (الصف 2-3).

وأخيرًا وليسَ آخرًا لا تنسَ، يا أخي المسلمَ، قولَهُ تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات 13).

 

والسّلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه.

 

[1] نشر هذا المقال في جريدة الرسالة – كندا العدد 425 تاريخ 26/10/2018.