التحرُّر من «قيود» الإسلام!
لفتني يومًا خبرٌ، في إحدى الصُّحف اللبنانيّة، يقول: «أُعلن في برلين أمسِ الأوّل فوزُ فيلمٍ ألمانيٍّ بخمسٍ من جوائزِ «لولا» السّينمائيّة التي تعادل جائزة الأوسكار الأميركيّة. إلى هنا ليس في الأمر ما يدعو إلى العجب، بل هو خبرٌ عاديٌّ جدًّا، ولكن، عندما نقرأ أنّ ذلك الفيلم «يحكي قصّة شابٍ وفتاةٍ ألمانيّين ينحدران من أصلٍ تركيٍّ تحلّلا من خلفيتهما المسلمة»، فهل يبقى الخبرُ هكذا عاديًا؟[2]
وأوّلُ ما تبادر إلى ذهني يومها السُّؤال التّالي: أإلى هذا الحدّ أصبحت الناس في الغرب مقتنعة بأن الدّين الاسلاميّ هو مجرّد قيودٍ من شأنها، ليس فقط، أن تكبّل يدي المسلم، بل أن تجعله أيضًا غير قادرٍ على مواكبة سائر الناس في مسارهم على دروب الحياة العصرية؟ وهل أصبح بالتالي على كلِّ من أراد النّجاح في حياته أن «يتحلّل» من تلك القيود؟
فقبل أن نتوجّه باللوم إلى أولئك الغربيّين في هذا الخطأ الذي نراهم قد وقعوا فيه، يجب علينا نحن، أولًا، أن نسألَ أنفسنا عن السّبب الذي جعلهم ينحون إلى تلك القناعة. فهل يعود ذلك إلى أنّهم هم المتخلفون عن ركب العلم لأنّهم لم يقرأوا ما كتبه ويكتبه عُلماء وفقهاء المسلمين؟
كما أسأل أيضًا: كم منّا من لديه المعرفة الكافية بجميع الأديان، السماويّة منها وغير السماويّة، الموجودة على أرضنا؟ بل كم منّا من يعرف عن الديانة البوذية التي يعتنقها حاليًا الملايين من البشر؟ مهما بلغ من حبِّ الاطلاع ومهما أطال الله عمره، مع ما تتطلبه منّا حياتنا العصرية من جهدٍ وساعاتِ عمل لكسب لقمة العيش؟ وكم من مسلمٍ يعرف الديانة اليهودية؟ بل كم من المسلمين من يعرفون تعاليم دينهم حقَّ المعرفة؟
ولكن هل السّبب في ذلك الاقتناع، عند الغربيين، عائد إلى الإسلام في معتقداته وتعاليمه؟ ثم هل بإمكاننا أن نوجِّه اللوم إلى أولئك الناس الذين لا يعرفون شيئا عما جاء به القرآن الكريم من تعاليم سواء في الدّين أم الدّنيا؟
جوابًا أقول لو كان أيٌّ منّا مكان أولئك الغربيين لكانت نظرته إلى هذا الدين السمْحِ، مشابهة بل ومطابقة لنظرتهم، لأنّ كلّ ما يسمعونه أو يقرأونه من أخباره، إمّا في أنَّ على كل أنثى، حتى ولو كانت لم تزل في عمر الطفولة، أن تُغطّيَ شعرها بما يسمّونه خطأً «حجابًا»، والذي من دونه لن تكون مسلمة؛ ولا ننسى تلك الحرب التي أشعلها بعضهم في أوروبا وباسم الإسلام، في ثمانينيّات القرن الماضي ولم تزل مستعرة حتى اليوم، دفاعًا عما يعتبرونه فريضة، مظهرين للناس أجمعين أن تعاليم الدّين الإسلاميّ تنحصر فقط في هذا «الحجاب».
أو ما يسمعونه أو يقرأونه أيضًا، في أنّ الجهاد في سبيل الله لا يكون إلا في خطف الأبرياء، من غير المسلمين، ثم قتلِهم بأشنعِ الأساليب، بعد أن ينعتوهم بالكفر. والأمثلة، للأسف، كثيرة في ما قامت ولم تزل تقوم به تلك المنظمات أو الجماعات أو التنظيمات أو الجبهات… من قتلٍ وذبحٍ ورجمٍ وحرقٍ، في أقطارٍ عديدة، في معظم أنحاء العالم. والمؤسف أيضًا أن أولئك القتلة، لا يكتفون بفعلتهم الشنعاء بل يتباهون بها، ليس فقط بإعلان مسؤوليتهم عنها بل يصورونها على شرائط (فيديو) ويوزعونها على محطات التلفزة الفضائية. فمن لم يسمع أو يرَ فليكحّلْ عينيه وليشنفْ أذنيه بأخبار تلك «البطولة» في قتل العُزَّل والضعفاء من الرجال والنساء والأطفال. مدّعين بأنَّ ما يفعلونه هو لنصرة الله ودين الإسلام. ولا ينسَون مرةً عند ارتكاب جرائمهم هذه من أن يبدأوها بالتكبير.
كما لا يجوز لنا أن ننسى تلك النّعوت بالكفر والتكفير التي أطلقها أسامة بن لادن ولم يزل يطلقها خلفاؤه وأمثالهم، سواء في تنظيم القاعدة أم داعش أم بوكو حرام وغيرهم، على جميع الناس من غير المسلمين، بمن فيهم المسيحيون الذين قال فيهم تعالى {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى} (آل عمران 82)، داعين المسلمين لمحاربتهم، باسم الجهاد في سبيل الله. وضاربين بعرض الحائط كلّ ما قاله القرآن الكريم عن واجبات المسلمين في معاملة أهل الكتاب بالتي هي أحسن، ومنها قوله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (الممتحنة 8).
فيا إخواني المسلمين، يقول المثل: «الإنسانُ عدوٌّ لما يجهل» ولذا فلا لومَ ولا عتبَ على أولئك الأوروبيين أو الأميركيين، من غير سياسيّيهم بالتأكيد، في تلك النظرة إلى الإسلام والمسلمين، فالنّاس العاديّون يستنتجون معتقدات الآخرين من ظواهر تصرفاتهم ثم يصدرون أحكامهم عليهم وعليها. فإذا لم نَعُدْ جميعًا إلى تعاليم الإسلام الصّحيحة كما جاءت في القرآن الكريم، لا كما شوّهها ويشوّهها بعض «المتفيقهين» ممن يدّعون بأنهم حماةُ الله ودينه، فستبقى، بل ستزداد حدّةً، نظرتهم تلك إلى الإسلام بأنّه يحضُّ على القتل والذّبح، وبأنّ المسلمين متخلفون وقتلةٌ وغيرُ جديرين بالعيش في المجتمعات المتمدنة.
فكلُّ مسلمٍ، يا إخواني، مسؤولٌ بسُلوكه وأخلاقه وتعامُله، عن إعادة الوجه السّمح إلى دين الإسلام، كما أراده الله تعالى له.
[1] نشر هذا المقال في جريدة الرسالة – كندا العدد 436 تاريخ 3/5/2019.
[2] كان ذلك في شهر حزيران – يونيو – من العام 2004.