نحن شعب يعشق التقاتل في سبيل الآخرين
في خمسينيّات القرن التاسع عشر وقع خلاف فيما بين شخصين من عائلتين كبيرتين، تربط بينهما روابط النسب، وتقيمان في قرية واحدة من قرى جبل لبنان، وكان السبب تافهًا جدًا إذ أن أحدهما كان يحرق أشواكًا في أرضه فخرجت النار من تحت سيطرته وامتدت إلى أرض جاره، الطرف الآخر وحرقت إحدى الشجرات فيها. وتطور هذا الخلاف ليصبح تقاتلا بين أبناء العائلتين لم يوفر فيه الطرفان أيّ نوع من السلاح مما كان بحوزتهما، وفي ساعات معدودات سقط عشرة قتلى من كلٍّ من الفريقين بالإضافة إلى عدد من الجرحى. ولكن المفاجأة جاءت من قرية مجاورة بأن حمل أبناء إحدى عائلات هذه القرية أسلحتهم بغية التوجه إلى القرية الأولى، مسرح التقاتل، لنُصرة أصدقائهم أبناء إحدى تينك العائلتين، ثم ما كان من أبناء عائلة أخرى من القرية الثانية، تربطتها أيضًا صداقة مع أبناء العائلة المقاتلة الثانية، أن وجهوا بدورهم أسلحتهم باتجاه أبناء قريتهم قائلين لهم: «عوضًا عن أن نتكبد، كلانا، مشقّة الانتقال كي نتقاتل في ساحة المعركة، فلنتقاتل هنا نصرة لأصدقائنا هناك».
ولكن العناية الإلهية حالت دون سفك المزيد من الدماء بين أبناء تينك العائلتين، إذ بدأت ذخائر طرفي التقاتل بالنفاد، فتمكن العقلاء والوجهاء من الفصل بينهما فتوقف التقاتل، ثم أجلوهما إلى القرى المجاورة، إلى أن تمكنوا من عقد الصلح بينهما.
والجدير بالإشارة إليه، أنّه إبّان التحقيق الحكومي في ذلك الحادث وأسبابه، جاءت أجوبة المشاركين في إطلاق النارِ متطابقة في المعنى بالقول: «لما رأيت ابن عائلتي شاهرًا سلاحه ويطلق النار باتجاه أبناء العائلة الأخرى، رحت أطلق النار نصرة لأبناء عائلتي، ومن دون أن أعرف السبب».
وقد قال سبحانه وتعالى: {إنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (الرعد 11). فهل سنغير نحن يومًا ما بأنفسنا؟؟؟؟
[1] كتبت هذا المقال ونشرته على الفيس بوك في 23/12/2012.