لماذا فقدت مونتريال نظافتها؟
منذ ما يزيد عن الست عشرة سنة وصلتُ إلى مدينة مونتريال. وكان الفصل شتاءً والثلوج تغطي الطرقات والشوارع والمباني. وبعد بضعة شهور حلّ فصل الربيع، وتلاه فصل الصيف، ومعهما اختفت الثلوج، فخلعت المدينة ثوبها الأبيض الجميل لترتدي ثوبا أخضر يفوق سابقه جمالا. وتمدّد العشب الأخضر بسطًا سندسية في حدائقها. وأول ما لفتني تلك النظافة التي كانت تستوطن الساحات والشوارع والأزقة والحدائق وحافلات النقل المشترك ومحطات مترو الأنفاق. ولم يكن ما انبسط من تلك الساحات والشوارع يتسع لسكنى تلك النظافة، بل ضمت الثنايا والزوايا ودرجات السلالم، أيضًا إلى منازلها.
وكم كنت أشعر بالاغتباط والإكبار عندما كنت أرى أبناء هذه المدينة الجميلة يتسابقون لالتقاط ما قد يرونه صدفة يعتدي على حرمة تلك النظافة، حتّى ولو كان وريقة صغيرة، ليضعوه في السلال التي خصصتها البلدية لمثيلات هذه الوريقة. وكم سمعت بعضهم يقول: هذه مدينتنا فلماذا نجعلها قذرة؟
ولكن وللأسف، فيبدو لي أن تلك النظافة قد بدأت تهجر مساكنها في هذه المدينة. فأعقاب السجائر بدأت تحتل الزوايا والثنايا. والقناني والأكياس البلاستيكية راحت تفترش سجاد أرصفة الشوارع والساحات والحدائق. وأوراق الصحف والمناديل، وقسائم النقل العام وبطاقاتها أخذت، كلها تملأ الحافلات ومحطات الأنفاق. حتى مقاعد وزجاج هذه الحافلات والمحطات لم تسلم من الرسم والكتابة عليها بمواد الدهان المتعددة الألوان وبأشكال وكلمات مؤذية ومقرفة. ولم يكتفِ أعداء النظافة بذلك بل عمدوا إلى الكتابة والتشويه على زجاج ومقاعد حافلات مترو الأنفاق بالحفر بآلات حادة، وكأني بهم يرغبون في منع العمال قدرة إزالة هذه «التحف الفنية» التي يعرضونها على جدران «متاحفهم».
فلماذا حصل هذا التغيير؟ ولماذا يريد بعضهم أن يشوّه جمال هذه المدينة ويحولها إلى حاويات للقاذورات؟ ومن هو المسؤول عن ذلك؟ هل هو جهاز البلدية؟ أم هم أبناء مونتريال؟
ولا أتصور أنسانًا في الدنيا يحب أن يعيش في منزل مملوء بالأوساخ والقذارة! والمدينة التي تعيش فيها يا صديقي ليست سوى منزلك الكبير. ويا أهل مونتريال عودوا إلى سيرتكم وعاداتكم القديمة. وأنت يا من ابتلي بآفة التدخين لا ترمِ أعقاب السجائر كيفما اتفق، وكما رفعتَ أذى دخان سيجارتك عن المحال المقفلة، أرجوك ألا تساهم في هذه الخسارة التي بدأت تلحق بمدينتك.
والحديث عن وسائل النقل يقودني إلى التحسر على عادة بدأنا أيضًا نفتقدها في مونتريال. فقد كنت ألحظ أن معظم أو كلّ من يصعدون إلى حافلات النقل العام كانوا يبادرون بإلقاء التحيّة على سائق الحافلة، ثم يشكرونه ويحيونه عند المغادرة. أما اليوم فقد بدأ جيل الشباب يتخلّى عن هذه العادة، وأصبح من النادر أن ترى شابًا يحيّي ذلك السائق ولو بالابتسامة. فلماذا؟؟؟ لست أدري. فقد تكون هذه التحية قد أصبحت من قبيل التخلف بالنسبة لهؤلاء الشباب «المثقفين»!؟
[1] كتبت هذا الكلام في 11/9/2007، إثر ملاحظتي تبدلًا ملفتًا في نظافة شوارعِ مونتريال في صيف ذلك العام. ولأنّ ذلك لم يدم طويلا فلم أنشره في حينه. وأنشره اليوم لأخذ العبرة فقط.