الزواج المدني في لبنان… بالحجج

أعاد عقد الزواج الذي أجراه، أمام الكاتب بالعدل، خلود سكرية ونضال درويش، إلى العلن الجدال حول مشروع قانون الزواج المدني الاختياري. فكان أن انقسم اللبنانيون إلى مؤيد ومعارض، وهذا أمر طبيعي تضمنه حرية الرأي. ولكنَّ المفاجأة جاءت من فتوى سماحة الشيخ الدكتور محمد رشيد عبد الغني قباني، مفتي الجمهورية اللبنانية، التي أطل بها علينا من على شاشة التلفاز، بحدّة وانفعال جعلاني أتوهّم أنّ الأرض قد زُلزلت زلزالها أو أنّ الحرب قد استعرت نارها. إذ قال: «إنني أفتي مستعينا بالله العظيم أنَّ كلَّ من يوافق من المسؤولين المسلمين في السلطة التشريعية والتنفيذية في لبنان، على تشريع وتقنين الزواج المدني، هو مرتدّ وخارج عن دين الإسلام، ولا يُغسل ولا يُكفَّن ولا يُصلّى عليه، ولا يُدفن في مقابر المسلمين».

فيا صاحب السماحة، اسمح لي بأن أقول التالي:

أولاً: لك الحق في أن تعارض أو ترفض، ولكنك لما أفتيت لم تبيّنْ لنا على ماذا استندت في فتواك هذه.

ثانيًا: لقد حكمتَ على المسؤول المسلم الذي يوافق على هذا المشروع بأنه «مرتدٌّ وخارج عن دين الإسلام» وبالتالي اعتبرته بحكم الكافر، ولكنّك تعلم جيدًا أنّه ما دام الشخص ينطق بالشهادتين فهو مسلمٌ، أليس كذلك؟ وإنّي أذكّرك بقوله تعالى: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا…} (النساء 94).

ثالثًا: ثم أضفتَ بأنّه: «لا يُغسل ولا يُكفّن ولا يُصلّى عليه، ولا يُدفن في مقابر المسلمين»، حسنًا قُلتَ «مقابر المسلمين»، أي أنك تقرُّ بأنها ملك المسلمين جميعًا وبالتالي هي ليست ملكًا لأيّ فرد أو هيئة أو مؤسسة كائنًا من كان. ثم إنّي أذكّرك بقصة ابني آدم التي ذكرها القرآن الكريم في سورة المائدة إذ بعدما قتل الأخ أخاه {بَعَثَ اللّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ} (المائدة 31). وجسم الإنسان ملك لخالقه، ولو كان ملكًا لنا لما حرَّم علينا الانتحار. فما دام الخالق صاحب الشأن، يأمر بالدفن فلا يجوز لأيّ كان أن يمنعه.

خامسًا: إن عقد الزواج في الإسلام عقدٌ مدني يحتوي على ما اتفق عليه الزوجان، أما التوثيق فهو تدبيرٌ وضعيٌّ ليقوم مقام الإعلان عن أنّ ذينك الشخصين أصبحا زوجين، وبالتالي لا تشوب علاقتهما أيُّ شائبة. ولم يرد في القرآن الكريم ما ينصّ على أنّ في الزواج سرًّا دينيًّا كما هو في المسيحيّة. وقواعد الزواج المدني تشبه قواعد الزواج الإسلامي ففي الاثنين يشترط الرضى والقبول، {فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ} (البقرة 221). ويحدد ما اتفق عليه الطرفان، ويجوز الطلاق وتفرض العدة بعده…

سادسًا: أمّا إذا كان سبب رفضك هذا الزواج منع زواج المسلمين والمسلمات بغير مسلمات ومسلمين فما منع القرآن الكريم الزواج بهم هم المشركون والكفار، فقط، كما في قوله: {وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} (البقرة 221). وفي قوله أيضًا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ…} (الممتحنة 10). أما أبناء المجتمع اللبناني فليس فيهم، حسب علمي، مشركون بل هم إما مسلمون أو مسيحيون أو يهود، أي هم أهل كتاب. وقد أحل الله الزواج بين المسلمين وأهل الكتاب كما في قوله تعالى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ} (المائدة 5). ثم ألم يتزوج النبي ﷺ صفية بنت حيي بن أخطب، وهي يهودية، وماريا بنت شمعون، وهي قبطية؟ كما أن أبا العاص بن الربيع، زوج زينب ابنة النبي ﷺ، بقي على شركه ومحاربة النبي ﷺ، حتى العام السادس للهجرة، وعلى الرغم من ذلك فلم يفرض النبيّ ﷺ على ابنته أن تترك زوجها قبل إسلامه. وأذكّر بقوله تعالى حيث ساوى الجميع: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} (البقرة 62)

ولا ننسى بأنه تعالى هو وحده الذي يحلَّل ويحرِّم إذ يقول: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ} (النحل 116). وهذا النبي الكريم ﷺ يقول: «إنّي والله لم أحلّ إلا ما أحلَّ القرآن، ولم أحرّم إلا ما حرّم القرآن» (رواه النسائي 2046).

وفي الختام لا بد لي من أن أسأل: كيف تقبل الدولة اللبنانية عقود الزواج المدني التي تعقد في الخارج وتسمح، بالتالي، بأن تطبق، تحت سلطتها، نصوصٌ قانونيُة غير لبنانية على مواطنين لبنانيين يعيشون على أرض وطنهم؟؟


[1] نشر في جريدة الحياة العدد 18222 السبت 23/3/2013.