أحمد مؤيد العظم في ذمة الله
مع غروب شمس يوم أمس الأحد (12/10/2008)، غابت شمس رجل من رجالات سوريا الكبار. أجل لقد فاضت روح مؤيد بك فغادرنا إلى الأبد، ولكن ذكراه العطرة ستبقى في قلوبنا وقلوب محبيه ما حيينا.
يا موت هل تدري من الذي أخذته من بين ظهرانينا؟ لقد حرمتني، يا موت، من أبي أسامة، ذلك الصديق الصدوق المحب المحبوب. أخذت مني جاري العزيز الكريم الذي عرفته منذ بضع وثلاثين سنة، وتوطدت علاقتنا منذ أن نقلت مسكني إلى جوار مسكنه في العام 1977. ثم تطورت تلك العلاقة إلى صداقة متينة، أساسها الاحترام والمحبة المتبادلين، مجردة من أي غاية مادية. ومذ ذاك كنت أسعى دومًا للقائه كي نتبادل أطراف الحديث الممتع في موضوعات شتى.
كان في كل مرة يتحفني ولو بمعلومة قيمة من مخزون ما تجمع في ذاكرته على مدى السنين مما خبره في الناس أو عايشه من أحداث. كان دمث الأخلاق، لبقًا لباقة الدبلوماسي المجرَّب، متواضعًا تواضع الكريم الحسب والنسب، يحترم الكبير والصغير، سواء في السن أم في المقام. لم أسمعه يومًا يتبجح بعمل قام به أو يفاخر بحسب أو نسب، وهو سليل عائلة من أكرم العائلات في سوريا.
كنت أشعر دومًا أنني أمام رجل رفع مقام الوظيفة التي كان يتولاها، لا هي التي رفعته، رجلٍ يفرض احترامه ومحبته على كل من عرفه.
ولكن الدهر بخل عليه في أن يمضي السنوات الثلاث الأخيرة من سني عمره قرير العين بذريته، فإذا به يخطف من بينهم ابنته الوحيدة وحبيبته منيرة. فكانت هذه أسوء نازلة حلَّت به طوال حياته، فبدأ جسده ينهار يومًا بعد يوم إلى أن صار غير قادر على الاستمرار في احتواء نفسه الكبيرة ففارقته بالأمس إلى الأبد.
وعلى رُغم ذلك الوهن فلم يخنه عقله يومًا. وكم من مرة سألني قائلًا: هل قد أصبحت الآن في أرذل العمر؟ فكنت أجيبه: ما دام العقل سليمًا فلا رذالة.
من هو صديقي هذا؟ إنه أحمد مؤيد عمر العظم: ولد في حماه – سوريا في العام 1915، وبعد أن أنهى فيها دروسه الابتدائية انتقل إلى دمشق لمتابعة الدراسة حيث أنهى فيها المرحلة الثانوية. ثم انتقل إلى بيروت ليلتحق بالجامعة الأميركية، وبعد تخرجه فيها في إدارة الأعمال عاد إلى دمشق ليدرس الحقوق في جامعتها. وبعد ذاك التحق بوزارة الخارجية السورية التي عينته في السلك الدبلوماسي فكان قنصلًا في القدس. ومع حلول نكبة فلسطين عاد إلى الوزارة في دمشق إلى أن عين مديرًا للمراسم في القصر الجمهوري. وبعد العام 1952 أعيد إلى السلك الدبلوماسي فعين قنصلا في الإسكندرية ثم في تركيا ثم في قبرص. وإثر إعلان الوحدة بين سوريا ومصر في العام 1958، تسلم مهام القائم بأعمال سفير الجمهورية العربية المتحدة إلى بغداد. ثم بعد انفصال سوريا عن الوحدة مع مصر، أصبح سفير سوريا إلى أنقره إلى أن أحيل إلى التقاعد، المبكر، في العام 1965.
وعلى رغم بعد مركز عمله عن لبنان الذي أحب، فكان يأتيه متى تسنى له ذلك، أو لقضاء أشهر الصيف في ربوعه مع عائلته، إلى أن استقر فيه منذ أن تقاعد وحتى وافته المنية.
فرحمة الله عليك يا صديقي الحبيب، يا أبا أسامه، وأسكنك فسيح جنانه. ولأبنائك وأحفادك من بعدك الصبر والسلوان وطول البقاء.
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وإنَّا لله وإنَّا إليه لراجعون.
[1] نشرت في العدد 23498 من جريدة النهار تاريخ 15/10/2008