من سنوات العمر

اليوم انقضت خمسةٌ وسبعون عامًا من العمر، ولا أعلم كم بقي لي منها. أنا اليوم متقاعدٌ، أبٌ لثلاث زهراتٍ وجدٌّ لحفيدين، أرجو الله أن تكونَ أعمارهم جميعًا مديدة مِلؤها الصحة والسعادة والتوفيق. ابيضَّ ما تبقى من شعر رأسي كثلج صنين، وأحنَت السنون ظهري بما أثقلت كاهليَّ.

كلما استرجعت ذكرى تلك السنين أشعر كأنها مرّتْ كأيامٍ معدوداتٍ. شريطُ فيلمٍ سينمائيّ طويلٍ يمرُّ أمام مخيلتي في بضع ثوانٍ. فبالأمس تزوجت وبالأمس بدأت حياتي العملية، بل وبالأمس فقط كنت طفلًا يلعب بين أشجار حديقة منزلنا في جديدة مرجعيون، يتسلق غصونها ليقطف ثمرةً من تين أو مشمش أو أكّي دنيا.

وأعود إلى الواقع فأستعرضُ ما علمتني الأيام بحلوِها ومرِّها فأستخلصُ بعضًا منه:

مهما طال بقاؤنا في هذه الدنيا تبقى الحياة قصيرةً، فلنملأْ بالمسرّة والأمل والتفاؤلِ كلَّ ساعة من ساعاتها مهما قست ظروفها.

مهما بلغنا من العمر يبقى في داخل كلٍّ منا قلبُ طِفْلٍ يطغى بشعوره أحيانًا على شعور قلبنا العجوز، ومن دون علمٍ مسبّق.

النكد قاتلُ الحبِّ والمحبّة، ومنشارُ الأجسام والأعمار.

عوِّدْ لسانكَ على النطقِ بالكلمة الطيبة فهي قد تجعل العدوَّ صديقًا. أما السيئةُ فقد تجعل الصديقَ عدوًا.

لا تدعْ يومًا يمرّ من عمرك من دون عملٍ منتجٍ، ولو كان ضربةً واحدةً من قلمٍ أو معولٍ أو مطرقة.

الأعمالُ العظيمة تبدأُ حلمًا.

المحبة لا تكون دومًا بالعطاء، فقد يكون في الحرمان أحيانًا، كثيرٌ من المحبة.

العائلة أساس الوطن، وبقدرِ ما تكون صالحةً يصلحُ الوطن، وإذا كان الأبُ رأسَ العائلة فالأمُّ عمادُها فهي التي تجمع أو تفرّق. كما يقول المثل العاميِّ: «الأمّ بِتْلِم».

السعي وراء الرِّزقِ واجبٌ، ورعاية العائلة أوجبُ.

يجبُ ألاّ يُنسينا العملُ التمتعَ بدفء وحنان العائلة.

ابتسامةُ أو ضحكةُ طفلٍ لا تُقدّرُ بثمن. وإسعادُه، ولو بلمسةِ حنانٍ، أعظم من الصدقة.

الإيمان حاجة ضرورية للإنسان، وكما قالَ أحدُ الحكماء «لولا الإيمان لهلكَ الإنسان».

التَّزمُّتُ والتعصُّبُ يشوهان كل معاني الدين والإيمان، ويدمران المجتمع والوطن.

أنا لستُ دومًا على حقٍّ، فقد يكون غيري مُحِقًّا وأنا مُخطئًا، فلا يجوزُ لي أن أرفضَ رأيَ غيري لأنه يُخالفُ رأيي.

عليَّ أن أقبل الناس كما هم فأنا لا أستطيع إعادةَ تكوينهم كما أرغب في أن يكونوا.

أنا لست وحدي في هذه الدنيا ولحرّيَتي حدودٌ يجبُ ألاّ تتخطى حدودَ حرية الآخرين. والحرية المطلقة حلمٌ وسرابٌ.

عندما نسترجع الأيام الخوالي تُسيطر على مُخيلتنا الذكرياتُ الجميلةُ ونتناسى المُرَّ منها.

قولُ الحقّ ولو حسِبْنا فيه الخسارة، أفضلُ من الكذبِ ولو حسبنا فيه الربح.

الحقيقة لا تخفى إلى الأبد.

الصِدقُ من صفات الأنبياء.

العِتابُ كالملح للطعام، قليله يُقرِّبُ الغريبَ وكثيره يُنَفِّرُ الصديقَ.

التنظيم في العمل يوفِّر الكثيرَ من الوقت والجهدِ.

إذا صنعتَ معروفًا لأحدٍ فلا تنتظرِ المقابلَ منه هو، فقد يأتيك ممن لا تتوقعه.

بعضُ الأمورِ يمكننا التحكّمُ بها وأخرى تُفرضُ علينا من حيث لا ندري، فالإنسان مخيَّرٌ ومسيَّر.

هذا غيضٌ من فيضِ ما علمتنيه الثلاثة أرباع القرن التي كُتب لي أن أكملها في هذا اليوم من سنوات العمر، ولست أدري هل أو كم بقي لي من مزيد.

والشكر والحمد دومًا للباري تعالى، موزّع الأعمار والأرزاق.


[1] كتبت هذا المقال يوم بلوغي الخامسة والسبعين في 8/4/2014.